محمد الجاسم ||
لن أناقش أية مادة أوفقرة من مواد وفقرات قانون الجرائم المعلوماتية،الذي حظي بالكثير من ردود الأفعال الإيجابية والسلبية،لكني سأتناول على وجه المباشرة،المغالطات التي ينمِّق بها معترضون على القانون مواقفهم بعبارات(حرية التعبير) و(كتم الحريات)وغيرها،دون أن يكلفوا أنفسهم مناقشة كيف يكون للفرد أن يتمتع بحرية أن يقول قولاً أو يكتب رأياً،دون دراسة تأثير ذلك على المتلقي،وثمة أشكال من القول يستهدف بها القائل الإساءة والنيل من أشخاص أو مجموعات أو تكتلات أو غيرها،وثمة أشكال من الكتابة،يظن فاعلها أنه ينتقد بها مظلمة أو مفسدة أو مسوءة،لكنه يسكب رأيه بسيل من ألفاظ بذيئة أو قادحة في الشرف أو جارحة للكرامة أو طاعنة في المعتقدات والإنتماءات.
إن الرأي وحريةالتعبير عنه، ليسا عنوانين سائبين أوكلاماً مرسلاً،فلطالما أودت هذه المغالطة ببعض القائلين والكاتبين الى السجون،بسبب قول باطل،أو شهادة زور،من الذين يتمشدقون بعبارات الحرية،التي يظنون بها خطأً انها حرية مطلقة،ودون مراعاة حدود الحرية الشخصية التي دائماً ما ينبغي أن تُلجم متى ماتقاطعت مع حريات الآخرين.
ألم يقل الله تعالى :" مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" قّ:18 ،وهنا تكمن حكمة رقابة القول والرأي،فنبدأها من أنفسنا،قبل أن نقف بين يدي رقيب عتيد.إن الرقابة الذاتية لأدواتنا في القول والكتابة يجب أن تكون حاضرة باستمرار،وبخاصة حين نجلس أمام الجهاز اللوحي ونستخدم خدمة الأنترنت،التي توصل القول والكتابة باسرع مما نتصور،لدرجة أن لايتسع الوقت لتدراك الإسقاطات اللفظية والتجاوز بحق الآخرين ـ إن حصلت ـ ، وقد امتلأت صفحات التواصل الإجتماعي ومنصاته بكمٍّ هائل من التجاوزات والإعتداءات على الآخرين.قال تعالى :
"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً" الإسراء:53
بعد الإستشهاد بكتاب الله المجيد،كم يحتفظ تراث العرب الأدبي من قصائد وأبيات الشعر التي تحرص على أن يكون القول مسؤولاً غير مرسلٍ،نظراً لخطورة تأثير اللسان على المقابل ،حتى قال أحدهم :
" وَ قَدْ يُرجىٰ لِجُرحِ السيفِ بُرْءٌ ... وَ لا بُرْءٌ لِما جَرَحَ اللسانُ " ، لأن اللسان معروف بالزلل والتسرع،لذلك لايمكن أن يُطْلَقَ له العنانُ بصورة غير مقيدة كي ينال من الآخرين، كلما دعت بواعث الخلاف والإختلاف والخصومة الى ذلك.
لقد ورد في الأثر أن لقمان قال لابنه: "يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك"،فقط أوصاه بالصمت الذي وصفه العرب بعبارة مأثورة :" الصمت في غير فكرة سهو... والقول في غير حكمة لغو"..وما أكثر اللغو الذي يتسيد مشهد الكلام والكتابة في هذه الأيام دون رقيب أو حسيب.
ورُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
ـــــ
https://telegram.me/buratha