منهل عبد الأمير المرشدي ||
رحم الله أبي فقد كان صادقا بحكم اليقين في كل ما كان يقول ويرى ويرتأي وها نحن نتيقن من مصاديق كل ما قال أبي في كل ما يمس مفردات حياتنا من بعيد أو قريب أو صغير او كبير . نعم فها هو كلامه يرن في أذني كناقوس لا ينتهي صداه في السياسة والإجتماع والدين وحتى الإقتصاد .
رحم الله أبي فقد كان رأيه في السياسة والسياسيين جازما لا يقبل النقاش وهو يقول لي بعد كل لقاء يراني به في شاشة التلفاز ( إبني منهل لا تتعب نفسك .. كلهم حرامية ) فقد أيقنت وتيقنت إنهم فعلا حرامية سرقوا أموالنا وأحلامنا وآمالنا ولا زالوا يسرقون من دون خوف او حساب او حياء .
كان أبي يردد دائما إن من كان يبكي من ضيم صدام واحد ورعب صدام واحد سيبكي من ضيم ورعب الف صدام , وفعلا يا أبي صار لدينا الف صدام وصدام في الحكومة والبرلمان وبغداد واربيل والأنبار والخضراء والحمراء وتحت الجسر وفوق الجسر وهلم جر .
لا زلت اتذكر يا أبي البيت الشعري الذي كنت تردده لي وتقول ( لا تقفل قفل وتكول مامون اذا كثرت مفاتيحه ) نعم فوالله يا سيدي الوالد كثرت لدينا المفاتيح على قدر الحرامية وعند كل حرامي مفتاح حتى غدا بنا الحال ننتظر الراتب كما ننتظر هلال العيد ولا حصة تموينية للفقراء ولا وظيفة للعاطلين ولا خدمات ولا هم يحزنون .
رحمك الله يا ابي وادعو الله ان يغفر لي اختلافي معك في الرأي وات تؤكد لي الف مرة ومرة أن نصف المتدينين منافقين ونصف المعممين كذابين متآمرين وها انا ارى معممين حرامية وعملاء يلهثون وراء المنصب والدولار ونصف الحرامية قد تعمموا ولم يبقى لنا الا ما انعم الله علينا بعمّة الخير والعقل والحكمة هناك في النجف الأشرف .
رحمك الله يا أبي فقد ثبت لنا بحكم اليقين حاجتنا لما كنت تدعونا اليه وانت تقول (سد بابك واكعد ابيتك واحفظ نفسك وعائلتك) فقد تفشى أغلب المحظور وانكشف الكثير من المستور وصار الأبيض كالأسود والفاسد الشاذ أمسى سيدا موقّر والملتزم المؤمن أمسى ذليلا محّقر .
نعم يا سيدي الوالد فما كنت تقول إن المكين بالمكان صار يقينا حتى في صلة الأرحام فلم تعد كما هي صلة الأرحام فالنسيب ولي وحبيب والأخ إبن الأم والأب مجرد قريب وصاحب المال هو صاحب الحظوة وان كان ابله وما أكثر أخوة ويوسف ويوسف لا زال يبحث عن بئر كي يرتوي من ماء السماء .
نعم يا أبي فبقدر ما كنت تحمل من طيبة نفس تداعب الدمعة في عينيك لأي موقف وكرم نفس وسخاء لا يليق الا بك فقد كنت يا أبي كريما بكل ما يعنيه الكرم روحا وعطاء والشهادة في هذا لمن يعرفك او عاش معك او ينصف ذاته في قول الحق ..
نعم كان أبي رحمة الله عليه عصبي المزاج للحد الذي أفقده ذلك الكثير من عافيته لكنه كان بعد لحظة وليس لحظات تراه كنهر ماء بارد يروي شغاف القلب بكل ما هو جميل حكمة وعقلا وطيبة وبفطرة أهلنا الطيبين الذين ما إن افتقنادهم حتى أفتقدنا الأمن والأمان والبركة والسلام وندعوا الله أن يطيل اعمار من تبقى منهم لتتعلم اجيال هذا العصر ما لم يتعلموه من مدارس خاوية وجامعات كاذبة واعلام السوشيل ميديا .
اخيرا وليس آخرا لا زلت اذكر طرفة كان يقصها عليّ أبي دائما يقول فيها أن هناك باص مصلحة سقط من الجسر في نهر دجلة وهرع الناس لينقذوا الركاب من الغرق وكان هناك شاب قد قفز في النهر وهو يخرج الغرقى واحدا إثر واحد ينظر في وجهه ثم يعيده للماء فسألوه لماذا لم تنقذهم على ماذا تبحث .
قال ابحث عن الجابي اريد باقي الدرهم .. رحمك الله يا أبي فعراقنا اليوم باص غريق وكلنا اليوم جباة غرقى . .
https://telegram.me/buratha