الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
واحدة من الصفات الرذيلة التي لطالما أكدت الآيات والروايات على مقتها وضرورة إقامة الحد عليها هي السرقة, التي تعمل على كبكبة الاوضاع وضياع المستحقات, وشياع الفساد بين العباد بطريقة ممنهجة وفنية؛ لذلك حارب الاسلام بكل ما أوتي من الحول والقوة مبدأ السرقة وفي عموم مفاصلها ومختلف هيئاتها ومجالاتها, وشرع بذلك القوانين والآداب التي من شأنها أن تحافظ على كيان الأمة من السراق فأوجب قطع أيديهم ليرتدعوا ويكفوا عن فعلهم الدنيء والذي قد يتسبب بضياع العباد والبلاد.
ومما تجدر الاشارة إليه في القصص الغابرة وحيكايات جدي أن السراق كانوا يركبون الليل للبحث عن الستر والغطاء في الوصول إلى مآربهم وغاياتهم الخسيسة؛ لذلك كان السارق محكوم عليه بالجبن والخبث أيضاً, ولم يتشرف شريف بالانتساب إلى هذه المجموعات الليلية الوقحة؛ بل حتى أن الناس الذين يبحثون عن الاعتبارات الدينية والاجتماعية والقيمية صاروا يحابون فساد السراق؛ ليحافظوا على التوازنات الاجتماعية والحياة الكريمة البعيدة عن الكدرات, وكانت الحكومات هي الاخرى تعمل من أجل محاربة الفساد سيما فيما يتعلق بملف السراق؛ لذلك كان السارق يشعر بأن الجميع يلاحقه فيبتعد عن الرذيلة إلا إذا اضطر لذلك.
أما اليوم فالأوضاع مختلفة؛ لأن السراق تركوا ظلمة الليل وتحولوا إلى عنوانات كبيرة كالمؤسسات المختلفة والوزارات المعتبرة؛ بل ورئاسة الحكومة بمسمياتها الكبيرة والحاكمة, فأصبح الفاسد محترماً والفساد مهنة يتداولها الحكام والمتسلطون على رقاب الفقراء والمستضعفين, وأخذوا يشرعون القوانين تلو القوانين؛ لجعلوا البلاد وثرواتها أسيرة رغباتهم التي اتفقوا على تضمينها في الموازنات والمصروفات والمكافأة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل زادتهم حجبا بينهم وبين الحقيقة التي لا يمكنهم رؤيتها, فأخذوا يساوموننا على لقمات العيش, وقطرات العلاج, مما يضطر بذلك المواطن إلى الانزياح نحو مستنقعهم الهاوي والمتهالك.
إن من المناسب أن ندرك جميعاً بأن الحقوق لا تعطى؛ بل تؤخذ, وإن السراق كما كانوا في الماضي يدخلون إلى البيوت ولا يخافون العجائز والنساء والشيوخ وإن علموا بدخولهم إلى البيت وسمعوا طرق أقدامهم على السطوح والجدران, كذلك اليوم فالسراق الذين عمدوا إلى سرقة الوطن والثروات جهاراً نهاراً لا يخشون الاحزاب التي تشاركهم ولا الشيوخ والعجائز؛ بل يخشون قوة الشباب وصيحة الاقلام المدوية التي يمكنها أن تسلط الاعلام وتسخر الامكانيات والقدرات الوطنية الشريفة للحد من هذا الاسراف والاستخفاف بالحقوق العامة لهذا الشعب الجريح, فعلى الجميع أن لا يستخف بقدرته وصوته وقلمه من أجل هذا الوطن وشعبه الذي بات أسيراً بين الوحوش المتكالبة عليها من الداخل والخارج ويسرقونها في وضح النهار ليعلنوا أن مرحلة السرقات تحت جنح الظلام ولَّى, فاليوم السراق يقودون ويسرقون في النهار جهاراً وأعلاناً.
https://telegram.me/buratha