حمزة مصطفى ||
إختار الأستاذ سهيل سامي نادر الكاتب والصحفي والناقد عنوانا مواربا مخاتلا دلاليا لكتابه "سوء حظ" الصادر عن دار المدى. حاول تفسير العنوان الرئيسي بعنوان فرعي هو "ذكريات صحفي في زمن الإنقلابات" لكن هذا التعريف عكس الشكل بينما بقي المحتوى غامضا ومثيرا لشهية القارئ في معرفة أين هي محطات سوء الحظ هذه التي رافقت مسيرة المؤلف طوال سنوات عمره الذي يقضي الآن (سهيل الآن في نهايات العقد السبعيني) ماتبقى منه في منفاه الدنماركي على وقع مآس شخصية هي الأشد قسوة في حياة الإنسان (فقدانه أبنه الوحيد ياسر) وسلسلة من أمراض الشيخوخة.
كنت الأسبوع الماضي ومن على صفحات "الزوراء" الغراء إستعرضت قراءتي لكتاب الدكتور جمال العتابي "داخل المكان" والذي إختار له عنوانا فرعيا هو الآخر "المدن روح ومعنى". لست بصدد المقارنة بين الكتابين, لكن مايميز سهيل في كتابه"سوء حظ" الذي رافقه على إمتداد تجربته الطويلة والمتنوعة وعبر مختلف الأنظمة التي إختصرها بـ "الإنقلابات" عن العتابي, إنه بث ماهو ذاتي في كل التفاصيل العملية والحياتية بينما حاول العتابي التركيز على ماهو موضوعي وتأثيره في الذاتي سلوكا وتجربة وعلاقة كل ذلك بالمحيط الذي إختزله العتابي بالمدن "النصر والشطرة في الناصرية والحرية في بغداد) والأشخاص الذي عايشهم أو تعايش معهم.
لم يركز العتابي الذي ينتمي الى نفس المنظومة الفكرية لسهيل نادر "الماركسية والشيوعية" على مايدخل في حيز الخصوصيات الفردية أو الإجتماعية سواء كانت سياسية أم سلوكية أم إجتماعية. بينما سهيل أوغل كثيرا في سرد كل ماعده محنا ومفارقات وعلاقات وإجراءات وإحباطات وإصطدامات وخسارات ليضغطها كلها ملخصة صادمة في عنوان مكثف هو"سوء حظ". بمعنى آخر إنه بالقدر الذي كان العتابي شبه رومانسي في التعامل مع المدن عبر جمالياتها الباشلارية فإن سهيل سامي نادر جلد الذات والموضوع, والفكر والأيدولوجيا والأنظمة بدء من عبد الكريم قاسم الى مجلس الحكم مرورا بعبد السلام وعبد الرحمن عارف والبكر وصدام وطارق عزيز وو.
لكن هذه الـ "وو" شملت آخرين منحهم سهيل سامي حيزا واسعا من ذكرياته الخاصة والعامة لكن عبر مستوى آخر من العلاقات الإنسانية والعملية والحياتية بمن فيها الصغيرة منها. من أبرز هذه الشخصيات صديقه الأثير المرحوم رياض قاسم الذي عاصر هو الآخر زمن الإنقلابات. لكن بقدر ماتعامل سهيل مع الأنظمة والأشخاص من منطلق سوء الحظ فإن قاسم كان سلاحه في الرفض أو القبول هي ضحكته المجلجلة. صحيح أن سهيل تقاسم مع رياض قاسم الضحك والسخرية من الناس والأشياء والأنظمة والأيديولوجيات لكن بدا قاسم هو المعادل الموضوعي لسلسلة الآم وشكاوى ومحن سهيل. أما الشخصية الأخرى التي كان لسهيل وقفة جدية معها هو صديقه فخري كريم صاحب مؤسسة المدى الذي وقف مع سهيل في أخريات أيام سوء حظه, لاسيما حين إنتقل سوء الحظ من السياسة والأيدولوجيا والصحافة وتقلباتها الى الأمراض التي لاتنفع معها لامبالاة أو سخرية الإ من أتى الطبيب بـ "جيب سمين" لا قلب سليم.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha