محمد الجاسم ||
لايمكن أن أنسى ماحييت، فرحتنا نحن حجاج بيت الله الحرام،من العراقيين،حملة شهرذي الحجة للعام 1427الهجري، الموافق 30 كانون الأول/ديسمبر العام2006الميلادي ،حين تجمعنا في صالة الفندق في العزيزية من أحياء مكة المكرمة، أمام التلفاز،لنتلقى خبر تنفيذ حكم الإعدام بالطاغية المجرم صدام حسين،بعد أن سرّبَ لنا الخبر قبل بثِّه،الدكتور علي الدباغ،الذي زارنا في السكن،وكان يشغل في وقتها منصب الناطق الرسمي باسم حكومة السيد نوري المالكي ،حتى أن الحدث قد تشكّل بكونه عيدين، عيد الأضحى (العاشر من ذي الحجة)،وعيد الثأر لأرواحِ ضحايا أبرياءَ كان قد أبادهم النظام الصدامي المجرم ،على مدى أكثر من ثلاثين سنة من حكمه الديكتاتوري الشمولي الدموي،في الحروب العبثية وأقبية السجون القمعية السرية،وعقب انتفاضة شعبان المدوّية.
كانت تلك اللحظة التي حظيت فيها شاشات التلفزة العالمية ،وهي تنقل لحظات شنق الطاغية،قد شاهدها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، وكان حدث إعدام رئيس نظام ديكتاتوري ظالم،قد ألقى بظلال ردود الأفعال المتباينة والمتضاربة بين معارض ومؤيد .وكان معيار التباين بين الفريقين أن الفريق المعارض يرى فيه زعيماً عربياً حافظ على وحدة العراق وكان رمزاً لنظام وطني لم يساوم فيه على وحدة العراق واستقلالية قراره وسيادته،وحافظ على وحدة الأمة العربيةوكان هذا الموقف مضحكاً لأبناء الشعب العراقي،إذ أن نظام صدام كان قد هدم وحدة وسيادة العراق بالتعاون مع الغول الأمريكي ،حين عزل ثلاث محافظات عراقية كردية وإخراجها من سلطة الدولة العراقية ووضعها تحت سلطة أحزاب كردية عائلية محمية بالطيران الأمريكي.وكانت سيادة العراق عبارة عن خيمة أقيمت في منفذ صفوان الحدودي مع الكويت، أملى فيها الجانب الأمريكي بقيادة الجنرال (شوارتسكوبف)شروطاً مذلة على صدام وجيشه وحرسه الجمهوري ،الذي أبيدت معظم قطعاته في الصحراء الفاصلة بين العراق والكويت بعد الإنسحاب من احتلال الكويت،هذا الإحتلال العدواني الذي أطاح بسيادة دولة عربية وانتهاك كرامة شعبها وأعراض نسائهم،فكيف يصفون الرئيس المعدوم بأنه حافظ على وحدة العراق وسيادته،وانه من دعاة القومية العربية..إنه أمرٌ مضحك فعلاً.أما الفريق المؤيد لأعدام الطاغية،فقد أكثروا من النشر والتعليقات الإعلامية والأبحاث الأرشيفية التي تبين أنه كان جلاداً رهيباً،إرتبطت بإسمه وإرادته الشخصية عمليات إبادة جماعية طالت أبناء الشعب من مختلف المكونات،وطالت ضباطاً من مختلف الرتب العليا كالفريق أول والفريق واللواء فما دون،وضباطاً قادةً آخرين وضباطاً أعواناً،ومراتبَ مختلفين،بحجج عديدة،لعلَّ أبشعَها وأبعدَها عن الموضوعية والقانونية،تهمة التسرُّب من جبهات القتال ضد إيران.كما طالت رفاقاً له في الصف المتقدم لقيادة حزب البعث الحاكم،(أعضاء في القيادة القطرية)،فيما سُمِّيَتْ في وقتها(مجزرة قاعة الخلد)،في تموز العام1979.
سقط حكم المقبور صدام ، في الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في التاسع من نيسان العام 2003،وكأن الإرادة الإلهية تذكّر الثقلين،بأنها ثأرت للمرجع والمفكر الديني الشهيد السيد محمد باقر الصدر،الذي أعدمه صدام وأخته الشهيدة الفقيهة بنت الهدى (آمنة الصدر) في مديرية الأمن العامة في بغداد،في التاسع من نيسان العام1980.لقد ثأر الله لهذا الإمام الهمام ،في اليوم ذاته بعد دورة الأعوام، ليكون إعدامه بعد أن أدانته المحكمة الجنائية العراقية بالتورط في قضية الدجيل الشهيرة ،التي أعدم فيها صدام مائة وثمانية وأربعين مدنياًعراقياً في العام1982. وكانت محكمة عادلة،إستغرقت لتحقيق الحد المطلوب من العدالة مدة سنتين ،عُرِضت أمامها من قبل الإدعاء العام وشهادات الشهود،مايكفي لإدانة المجرم في هذه القضية لوحدها،من بين عشرات القضايا المعروضة على المحكمة الجنائية العراقية لجرائم البعث الصدامي،فكان يوم30 كانون أول..ذكرى القصاص العادل من طاغية العصر.
ورُبَّ قَوْل..أنفذُ مِنْ صَوْل
ناصرية ـ دورتموند / ألمانيا
https://telegram.me/buratha