المقالات

ريشة الإوز المنكودة..!

1805 2021-01-09

 

ضحى الخالدي||

 

(كل ما فعلته هو أنني لمست الورقة بريشة إوزة دون أن أعرف أنني وبتلك الفعلة كنت أوافق على التنازل عن قريتي)

بلاك هوك زعيم قبيلة سوك الهندية

    لم يكن الهنود الحمر يعتقدون أن يأتيهم الموت و العذاب من حيث كانوا ينتظرون وصول آلهة جديدة تنقذهم من الشرور تأتي من جهة السواحل الشرقية. اعتقد الإنسان الهندي أن المستعمرين البيض هم آلهة, فجمعوا لهم الذهب وقدَّموه لهم قرباناً, لكن المستعمر الأسباني ومن ثم البريطاني لم يكتفِ بقرابين الذهب, ولم تشبع غرائزه الوحشية إلا القرابين البشرية.

صوَّرت لنا هوليوود الهنود الحمر كقبائل متوحشة تتلذذ بحرق الأحياء وسلخ فروات الشعر, وألصقت بهم أبشع الجرائم؛ لكن أحداً لم يتساءل كيف اختفى الشعب الأحمر وانقرض خلال 150 سنة من حوالى 112 مليون نسمة إلى قرابة 250 ألف نسمة العام 1900 م. يعيشون في محميات تفتقر الى أبسط مقومات الحياة الحديثة.

لم يتساءل أحد: أين هم من مناصب الدولة, والنشاط الاقتصادي, وعالم السياسة؟

الرئيس أندرو جاكسون الذي حكم الولايات المتحدة بين عامي 1829-1837, والذي تزيّن صورته الورقة النقدية من فئة 20 دولار كان من عشاق السلخ و التمثيل بالجثث و كان يأمر بحساب عدد القتلى من خلال احتساب عدد أنوفهم وآذانهم المقطوعة, وقد أقام حفلة برعايته مثَّل فيها ب800 رجل من سكان أميركا الأصليين؛ بينهم الزعيم الهندي (مسكوجي).

حين أدرك المستعمر الأوروبي أنه أمام شعب بسيط وساذج لا يمتلك من الأسلحة سوى العظام وبعض الأدوات الخشبية البسيطة في أرض غنية بالخيرات قام بإبادة الحرث و النسل, فأحرق المحاصيل وقتل الرجال والنساء والأطفال, فحاول زعماء القبائل الهندية عقد معاهدات سلام مع المستعمرين, إلا أنهم استغلوا تلك المعاهدات أبشع استغلال لتهجير الهنود من قراهم ومن ثم اختطاف أبنائهم وتشغيلهم بالسخرة في الحقول والمناجم حتى الموت, وإذا كان هذا نصيب الرجال والأطفال فنصيب النساء العمل نهاراً والاغتصاب ليلاً.

حين كان الأوربيون يعقدون معاهدات السلام مع الهنود الحمر كانوا يقدمون لهم الهدايا التي جلبوها معهم من مصحّات أوروبا, وهي عبارة عن آلاف البطانيات االمحملة بجراثيم الجدري والكوليرا والخناق والطاعون والسل لتفتك بهم دون بذل مجهود إضافي بالبنادق والمدافع, في مشاهد قديمة من الحرب البايولوجية, وقد استعانوا بالأطباء لإيصالها بطرق آمنة دون إصابتهم بالعدوى.؛ على سبيل المثال حين طلب القائد العام الإنجليزي اللورد جيفري أمهرست من هنري بواكيه إجراء مفاوضات مع الهنود مع تقديم بطانيات ملوثة بالجدري؛ أجابه بواكيه بأنه سيحاول جاهداً تسميمهم بالأغطية الملوثة دون أن يصاب بهذا المرض من خلال أخذ الاحتياطات اللازمة.

قضت هذه الحرب الجرثومية على 80% من الشعب الأحمر, ورُصِدَت الجوائز لمن يأتي برأس هندي فمقابل رأس الرجل 100 جنيه إسترليني, ومقابل رأس المرأة أو الطفل 50 جنيه إسترليني, وكي لا تزدحم عرباتهم الخشبية بالرؤوس صاروا يستبدلون قطع الرؤوس بسلخ فروات الشعر كي يحملوا منها المزيد والمزيد, وتباهوا بأن ملابسهم وأحذيتهم مصنوعة من جلد الهنود, السلخ..التهمة التي ألصقوها ظلماً وعدواناً بالسكان الأصليين.

كان هؤلاء السفاحون يتصرفون ويتفاخرون بجرائمهم كصيادين. على سبيل المثال يروي الإنجليزي لويس ويتزل أن الطلعة اليومية الواحدة غنيمته منها لا تقل عن 40 فروة رأس بمعنى 1200 فروة رأس في الشهر, واحسب كم فروة رأس في السنة, وعلى مدار سنوات الصيد؟ اليوم ويتزل بطل في التأريخ الأميركي.

تطور الأمر لتصبح طقوس السلخ حفلات شواء لا يحضرها إلا الطبقة العليا من المجتمع, فقد كان أحد أبطال التأريخ الأميركي وهو جورج روجرز كلارك يقيم حفلات السلخ ويطلب من الجزارين أن يتمهلوا في السلخ ليستمتع الحضور.

واستخدم الإنجليز التهجير القسري لقبائل المسيسيبي فيما عرف ب(درب الدموع), والإغراق لعوائل كاملة في الأنهار السريعة الجريان, والتلويح بالرضّع في الهواء ثم رميهم لتتهشم رؤوسهم وأجسادهم,واستخدموا التعقيم حيث خلطوا مياه آبار الهنود الحمر وطعامهم بالعقاقير المعقمة ليقطعوا نسلهم الى الأبد.

أحرقوا خيامهم وأكواخهم, ومن يخرج من داره هارباً طلباً للنجاة يتم اصطياده بالبنادق إن كان رجلاً أو امرأة, أما الأطفال والفتيات الصغيرات فيباعون في سوق النخاسة.

يقول الكاتب والقس الأسباني برتولومي دي لاس كازاس في كتابه (وثائق إبادة الهنود الحمر) وهو أحد شهود العيان على هذه الجرائم بأن المستعمرين الأوروبيين كانوا ينصبون المشانق بشكل مجموعات ويضرمون تحتها النار, أما أسياد الهنود وزعماؤهم فكانت توضع لهم مشواة ذات قضبان حديدية يربطون فيها وتوقد تحتهم النيران ليموتوا ببطء, وحين يشتد صراخهم توضع في أفواههم قطع من الخشب كي لا يزعجوا مفوَّض الشرطة في نومه.

أما من يهرب إلى الجبال والغابات, فكانوا يطلقون خلفه الكلاب السلوقية المدرَّبة لتلاحقه وتنهشه وتمزقه إرباً إرباً.

لم يكن الهنود الحمر جبناء لكنهم لم يكونوا يتوقعون الغدر من آلهتهم البيضاء التي قدَّموا لها قرابين الذهب, ولم يكن هناك تكافؤ في السلاح بين العظام وقضبان الخشب, وبين البارود والحرب البايولوجية. ربما أكثر سلاح هندي متطور هو القوس والنشاب والرمح, ومطرقة توماهوك التي تنبئ طريقة استخدامها عن كونها سلاحاً مخصصاً لاصطياد الحيوانات في تلك البيئة الغنية بالغابات والجبال.

اعتمد الهنود على العهود الشفهية في تعاملاتهم, وهذا ما جعل للصدق قيمة كبيرة في نفوسهم , واهتموا بالقضايا الروحية وقدَّسوا الأخلاق واحترموا المرأة. يصفهم القس كازاس بأنهم طيبون وبسطاء وساذجون جداً. بعيدون عن الشر والخديعة ومطيعون للأسبان وملتزمون بتقاليدهم. لا يحملون الحقد أو روح الانتقام , لا يحملون طمعاً أو جشعاً رغم فقرهم.

حتى كريستوفر كولومبوس وصفهم في رسالته لملك وملكة أسبانيا بأنهم مسالمون جداً وطيبون جداً, وأقسم بأنه لا توجد أمة أفضل منهم.

فكان رد الجميل من الضيف الأبيض الثقيل ما كان, مقابل استضافته وتعليمه الزراعة والصيد وتقديم قرابين الذهب على مذبح بهيميته.

قبل أكثر من قرن من الزمان؛ قدَّم البِيض ريشة إوز لبلاك هوك زعيم قبيلة سوك الهندية للتوقيع على معاهدة يتنازل بموجبها عن قريته وينتقل الى محميات دون علمه لأنه كان يجهل القراءة والكتابة.

ريشة الإوز المنكودة تلك جعلت ما تبقى من الهنود يعيشون في محميات تفتقر الى أبسط الخدمات الطبية ويعاني الشباب فيها من الحرمان من التعليم, ومن الفقر والإدمان والانتحار والتمييز العنصري والقتل على يد المتطرفين البيض.

حتى المحميات لم تسلم؛ ففيها تقام التجارب الخطرة على الانسان, أو تُنشَأ مناجم الزئبق التي تلوث المياه.

(من الذي بدأ الغناء هنا؟

من الذي أطلق الأصوات الأولى للغناء فوق هذه الأرض الواسعة؟

 إنها أصوات الشعب الأحمر الذي كان يتنقل حاملاً خيامه ورماحه وسهامه.....

ما الذي لم يقع فوق هذه الأرض؟

كل ما حدث لم أكن أريده, ولم يسألني أحد

إنهم يأتون, ويعبرون في أرضنا

 وعندما يذهبون لا يتركون خلفهم سوى أنهار الدماء)

السحابة الحمراء أحد زعماء  قبائل السيوكس الهندية

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك