واثق الجابري ||
تضطر القوى السياسية إلى التحالف بعد كل إنتخابات، من أجل تشكيل حكومة يمكن تمريرها في مجلس النواب، وهذا حق جاءت شرعيته من ناخب أجاز من ينوب عنه، لكن بعض التحالفات تكون لأجل الحصول على مكاسب السلطة، بخطوة مخالفة لإرادة الناخب أحياناً، من التحالف مع قوى متقاطعة لتوجهاته وبرامجه، فهل الأفضل التحالف قبل الانتخابات أو بعدها؟
شهدت الديمقراطية في العراق تراجعاً في جوانب وتقدماً في أخرى، و القوى المسجلة في مفوضية الإنتخابات، وصل عددها إلى 470 حزباً وكياناً سياسياً قابلة للزيادة، قبل ستة أشهر تنذر بصعوبة التحالف، وتحاول قوى صغيرة إقتناص الفرص ولعب دور بيضة القبان، بالذهاب إلى هذا التحالف أو ذاك، وشرط الحصول على مكاسب أكبر من حجمها، فيما سيكون القرار الحكومي والبرلماني صعب إتخاذه، في ظل الإفراط التعددي وتنوع المزاج وتزاحم المصالح، ومثلما تبدأ الحكومة صعبة التشكيل، وقد يتأخر بسبب هذه المقدمات، ستكون مآلاتها مثل مقدماتها أو أسوأ.
شهدت العملية السياسية نوعاً من الإيجابية، بالإقتراب من مزاج الشارع، ووضعه في مسؤولية مصدرية السلطة، ولا تتشابك عليه الخيارات، في أشخاص يختار منهم الأفضل ضمن رقعة جغرافية، سيجد فيها من هو الأكثر قبولاً، رغم وجود المؤثرات السابقة ولكنها ستكون أقل تأثيراً في حال قدر الناخب مسؤوليته وحاجة دائرته الانتخابية، لكن العملية رغم هذا التقسيم، ما تزال قاصرة على حث الأغلبية وإيضاح أهمية الصوت.
تأتي شرعية الإنتخابات بتمثيلها لأغلبية الشعب نيابياً وحكومياً، لتحقيق رضا معظم الشعب، وتجبر القوى السياسية للعمل على كسب ود جمهورها وجمهور غيرها، لأن تجربتها ستكون تحت منظار الشارع المراقب، وما يُعاب على العملية السياسية، أنها أفرطت في التعددية، وأن قسمت إلى أحزاب، منها ما يرتبط بأصله، وأخر نتيجة تقاطعات ومصالح ضيقة، لذا صار من الصعب جمع كل هذا الإفراط، وبالتالي تحرج القوى السياسية بسقوف تشكيل الحكومة، وتوافق مرغمة أحياناً للدخول بتحالفات، أو إتفاقات سرعان ما تنفرط بعد تشكيل الحكومة، وبذلك كلهم يشاركون وكلهم معارضون، ناهيك عن التنقل بين القوائم وإشتراط التحالف مقابل مكاسب.
إن البحث عن الحل لا يأتي بترك العملية السياسية سائبة دون ضوابط قانونية وأخلاقية، وبالتالي بعد الإنتخابات تضطر القوى للتوافق بما لا يرضى الجمهور، لذا فإن التحالف قبل الانتخابات سيحرك جزءاً من الجمهور ويكسر جمودها التقليدي، وتنتخب مع طبيعة البرامج ووجهة التحالف، ومن كان ينتخب(س)، ربما سينتخب (ص)، لأنه وجد الأول مخالفاً لتصوراته، وستقترب القوى من بعضها، وعلى الأقل في تحالفين كبيرين، وتكون برامجها وحكومتها جاهزة، ولا تخضع للإبتزاز والمزايدة، وبذلك تمثل الأغلبية النيابية والشعبية.
بما أن العملية شهدت كثيراً من المعرقلات، كان سببها قوى سياسية تشارك في الحكومة وتعارضها بالوقت نفسه، وكذلك فرضت التعددية المفرطة على القوى السياسية بالتحالف لتشكيل الحكومة، إلّا أنها قبل الإنتخابات تختلف عن ما بعدها، وما قبلها تعطي مصداقية للقوى أمام الناخب وتسرع عمل الحكومة، وبعد التشكيل يستطيع المواطن تحميل الجهات المسؤولة عن هذا التشكيل، وتسقط فرضيات التسقيط التي تتبعها معظم القوى، حين تدعي عدم مصادقة غيرها، ثم تتحالف معها بعد الإنتخابات، وإذا كان هناك سعي جاد للقوى السياسية والشعبية لتطوير العملية السياسية، فلابد من تحالف القوى بفريقين يضمنا تمثيل المكونات، فيتنافسان، ويتحمل الفائز تشكيل الحكومة وما يتبعها من مسؤوليات تجاه المواطن، ويقبل الخاسر بأن يكون معارضاً بناءً مراقباً للأداء الحكومي.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha