عبدالزهرة محمد الهنداوي||
دخلنا في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد، وابناء قرانا يحلمون بطريق مبلط، لانهم يقبعون وراء حدود الجغرافية، او خارج نطاق التغطية، وأتحدث هنا، عن سكان القرى الريفية في محافظات الوسط والجنوب، إذ قُدّر لي قبل أيام.
وفي إطار مهمة إعلامية، ان اطلع على واقع اكثر من عشر قرى، في محافظتي الديوانية وذي قار، هاتان المحافظتان اللتان تتربعان على كنوز التاريخ والطبيعة، يواجه سكانهما ظروفا حياتية، لا يمكن وصفها الا بالبائسة، هذا واقع المحافظتين بنحو عام، أما واقع القرى التي اتحدث عنها، فهي البؤس بنفسه، ولست ادري من أين ابدأ في وصف ما رأيت ، بعد ان حطّ الفقر رحاله هناك.
وإذ أشير إلى الفقر، فانه يشمل الدخل، وما يرتبط به من متطلبات الغذاء والرفاهية، والسكن والصحة والتعليم، فالدخل، في ادنى مستوياته، أما السكن، فما زالت بيوت الطين، تمثل علامة فارقة في بعض من هذه القرى، والكلام ذاته ينسحب على الصحة، اذ يعاني السكان من بعد المراكز الصحية عن قراهم، وهذا يسبب لهم معاناة مريرة، في ظل عدم توفر الطرق المبلطة التي تسهل عليهم نقل مرضاهم إلى المشافي البعيدة، وهذا الأمر لطالما تسبب بحدوث مخاطر على حياتهم، لاسيما على النساء اللواتي يأتيهن الطلق والمخاض في ليل الشتاء البارد الممطر، فهنا تكون المأساة متجسدة بمشهد تراجيدي فريد.
وفي التعليم، فان مشهد المدارس هناك، قد لا نراه حتى في اشد بلدان العالم فقرا وتخلفا، فمبانيها أما ان تكون طينية! او كرفانية، او طابوقية مبنية في خمسينيات القرن الفارض، وبطبيعة الحال، ان مدارسا مثل هذه، تفتقر إلى الأبواب والشبابيك ودورات المياه، وحتى الرحلات الخشبية وأرضياتها يغطيها الطين، ولنا ان نتصور حال الأطفال الصغار في وضع مثل هذا!!
ولهذه الأسباب صار من المتعذر على بنات القرى إكمال الدراسة المتوسطة وما بعدها، لان المدرسة بعيدة جدا، يتطلب الوصول اليها قطع عدة كيلو مترات، في طرق وعرة وعبور الأنهار على جذوع النخيل، ما قد يتسبب بسقوط البنات في الماء!!
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحال، بل ان اغلب سكان قرى الوسط والجنوب، محرومون من المياه الصالحة للشرب، وانعدام الكهرباء، لذلك فانهم يحلمون برؤية الشارع المبلط، ولعلهم يكتفون، بفرشه بمادة السبيّس فقط، ويحلمون بماءٍ يطلُّ عليهم من فتحة الحنفية! وفي احلامهم، يمنون أنفسهم، بتيار كهربائي يساعدهم في تشغيل المبردات في الصيف اللاهب!
ولكن ما لفت نظري لدى هؤلاء الناس وبرغم بؤس عيشهم، الا ان مطلبهم الرئيس هو المدرسة، لتعليم بناتهم اللواتي حُرمن من إكمال تعليمهن، وأظن ان حلماً مثل هذا يضفي عليهم عظمة ليس لها نظير.
ولكن، إلى متى يبقى هؤلاء العظماء يهيمون في عالم الأحلام، وهم يتربعون على كنوز لاعد لها ولا حصر، ؟؟ أما آن لهم ان يستريحوا من عناء الأحلام، ليعيشوا واقعا فيه شيئ من الدعّة والهدوء؟
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha