محمد الجاسم ||
للمرة الأولى في تأريخ الولايات المتحدة الأمريكية،تنتظر رئيس الدولة ،المنتهية ولايته ديموقراطياً ، مشاكل قانونية ومالية كبيرة،منها ما تم توضيحه في إتهامات صريحة من الكونغرس، ومنها ما أفصح عنه حفل تنصيب الرئيس جوزيف بايدن من خلوِّه من الرئيس دونالد ترامب،وتركه العاصمة واشنطن قبل وقت طويل من موعد الحفل،بطائرة خاصة الى فلوريدا،واكتفائه بترك رسالة ورقية مقتضبة :
" جو..أنت تعرف أنا الفائز".
لكنها ليس المرة الأولى التي لم يحظر فيها الرئيس المنتهية ولايته حفل تنصيب الرئيس الجديد،فقد حصلت خمس مرات في واشنطن ،بدءاً من جون آدمز وانتهاءً بدونالد ترامب .لقد سوّد ترامب صحيفة بعض الرؤساء السابقين بإضافات جديدة على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي.لقد وضع ترامب بلاده مرتين على شفا حفرة الحرب الأهلية،حين أفسح المجال وشجع ولم يقم بواجبه تجاه عمليات العنف في الشوارع وأعمال التمييز العنصري العلنية،وآخرها اقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصاره ومريديه،بطريقة تتعارض تماماً مع سيادة القانون .ماحدث في السادس من كانون ثانٍ هذا العام،كان أعمال شغب مسلحة أزعجت الشعب الأمريكي،وأفرغت الديموقراطية من محتواها الحقيقي.لقد اشترك في هذه الدراما شرائح مختلفة من الشبان والرجال والنساء لتأييد ترامب ولكن بطريقة عنيفة،رغم إقحام بعض المشاهد المضحكة في هذا الحدث، الرجل ذو القرنين على رأسه .لكن في النهاية كان خرقاً أمنياً خطيراً للغاية في مبنى الكابيتول ، فَقَدَ خمسة أشخاص حياتهم بسبب ذلك،أحدهم رجل أمن. وكان يمكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير لو لم يتم إحضار النواب إلى بر الأمان بسرعة واستدراك الموقف من قبل حاكم الولاية.
إتسمت مرحلة ترامب بالتخبط وعدم الحكمة في إدارة الملفات الدولية،وسوء العلاقة مع المنظمات العالمية المعنية بالمناخ والصحة وحقوق الإنسان ومنظمة الإتحاد الأوروبي،وكان يتنقل في تصريحاته الإعلامية من تهديد دولة الى أخرى،ولم تكن الجمهورية الإسلامية في إيران وحدها التي تلقت سيلاً من التهديدات والعقوبات..لقد بعث اليأس في رؤساء دول مهمة ومحورية في التعامل الدولي الخاص بالسلام العالمي والإنتعاش الإقتصادي في العالم،كالصين وروسيا وكوريا،وكان يطلق التصريحات غير المقبولة على الإطلاق. أما في داخل بلاده، فطالما عُرف الخطر الذي يمثله المتطرفون اليمينيون في الولايات المتحدة بأنه مدعوم من الرئيس ترامب. في بعض الأحيان كان الخطر أكبر قليلاً ، وأحيانًا أصغر قليلاً. ولكن من الواضح الآن مدى ضخامة التهديد حقاً،بعد أن شهد المجتمع الأمريكي إنقسامات حادة بسبب ذلك. لقد عرّض ترامب وأنصاره الأمن الداخلي للبلاد لخطر التدهور،ليس في الوقت الحالي،بل في المستقبل أيضاً،بعد أن أدّت أجواء إدارته الفاسدة الى خلق عقلية عدوانية ومليشياوية لدى الكثيرين من الأمريكان،وبخاصة منهم ثمة الآلاف الذين حرضهم خطاب ترامب حول العنف ،ومنهم الملايين الذين لايفرقون ،في منح أصواتهم الإنتخابية ،بين شخصية ترامب المرتبكة المرفوضة،وبين الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ويعتقدون بأفضليته السياسية،وهم الذين يعتقدون أن انتخابهم قد سُرق ،وقد استنفدوا طرق الطعن كلها ولم يفلحوا ،لعدم وجود دليل على زعمهم ذلك. وراحوا يمنون أنفسهم أن من حقهم التصرف ،وكأن الشيء الوحيد المهم في بلادهم هو ترامب وليس الديمقراطية. هذا وضع خطير للولايات المتحدة. الكراهية والعنف والوحشية،هي مفردات انتعشت في زمن ترامب.
بعد زوال الكابوس الدولي المزعج الذي اسمه ترامب،تدحرجت الكرة لتستقر في ملعب الرئيس الجديد بايدن،لترميم الوضع الداخلي،الذي أشار إليه في قَسَمِ التنصيب، بأنه سيعمل على الدفاع عن أمريكا ضد أعداء الداخل وأعداء الخارج،لأول مرة يتم فيها التطرق بهذه الإلتفاتة لوجود أعداء داخليين.
كما يجب على الرئيس الجديد إعادة ثقة المجتمع الدولي بدور الولايات المتحدة في العلاقات الدولية،بعد أن مرت بمراحل ،لم توصف فيها الولايات المتحدة ،سوى بأنها بلد الشرور والحروب والتحريض على إسقاط الأنظمة السياسية والتدخل بالشؤون الداخلية للبلدان التي لاتسير بركبها،وعمليات الإجرام والإغتيالات وقصف(النيران الصديقة)،وإغراق الكثير من الشعوب في حرائق الإقتتال الداخلي.على الرئيس بايدن ، الذي ابتدأ عصره السياسي بخطاب مطمئن وينمُّ بالفعل عن شخصية خبرت العمل السياسي منذ سبعينات القرن المنصرم،بعد أن شغل مناصب سياسية وتنفيذية وتشريعية رفيعة،أن يشمِّرَ عن ساعد الجدّ لتحسين سمعة بلاده التي مرَّغَها سلَفُهُ بالتراب.
وَرُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
20 كانون ثانٍ 2021
ــــــــ
https://telegram.me/buratha