رياض البغدادي||
اثناء تصفحي لأرشيف تظاهرات تشرين ، لفت انتباهي منشور يؤبن ضحيتين من ضحايا هذه التظاهرات ، وهما الشاب أحمد مهنّا ، والشاب صفاء السرّاي ، الا أن التأبين كان فيه غمز للنهج الثقافي الذي ينتمي له كل منهما ، فالشهيد مهنّا ينتمي الى ثقافة عراقية خالصة ، يمكن الاستدلال عليها من مظهره الخارجي ، إضافة الى تصريحاته الاعلامية وكتاباته على صفحات التواصل الاجتماعي ، وهو نهج يختلف جذرياً عما ينتمي له صفاء السرّاي ، وهو النهج الثقافي الغربي بكل ما تمثله هذه الكلمة من معنى ، فمن الناحية الدينية يعلن السراي ويصرح بأنه ملحد ولا يكتفي بذلك بل يتجاوز على شخصيات مقدسة مثل الأمام علي (ع) وهو ما لا يجرأ على فعله أي عراقي سابقاً بما فيهم الشيوعيون في كل تأريخهم في العراق ، ومن الناحية الاخلاقية ، فهو يعلن ويصرح أنه شارب للخمور ، متسكع بين مواضع النشوة والخلاعة ، ووصف المرأة ـ ذات مرة ـ بعبارات تشير الى خصوصية الأعضاء التناسلية ، دون احترام أنوثتها ووضعها الإجتماعي، وهذا كثيراً ما صرح به في الفيديوات التي نشرها بنفسه مخالفاً بذلك الثقافة والأعراف العراقية المحافظة ...
الملفت للنظر بالموضوع ، أن مهنّا والسرّاي معاً ينتميان الى الطبقة الفقيرة من المجتمع العراقي ، وكذلك كلاهما من عشائر عراقية اصيلة ، وعوائل محترمة ، تشهد لها مناطق سكناهم بالعفة والنزاهة والالتزام ، وهما الاثنان لم يتسنَّ لهما السفرالى الخارج، فضلاً عن العيش في دولة اخرى غير العراق ...
السؤال الذي يفرض نفسه :
ترى ماالذي جعل مهنّا مختلفاً جذرياً عن ( ابن ثنوة ) ؟
قطعاً هذا السؤال يمكن الاجابة عنه ، لو أن ( ابن ثنوة ) حالة خاصة وشاذة يمكن ان يتكرر ظهورها في المجتمع ، لكن الحقيقة ان صفاء السرّاي هو مظهر لظاهرة لا يمكن إخفاؤها ، لسعة إنتشارها في المجتمع العراقي ، منذ بدأ الغزو الامريكي وسقوط النظام البعثي المجرم في نيسان من العام ٢٠٠٣ .
من هنا يمكننا الدخول الى منطقة الخطر التي تتجنب الدولة ومؤسساتها الدخول فيها ، وهي منطقة - الغزو الثقافي - التي يتعرض لها بلدنا الحبيب ..
ماالذي يتوجب علينا فعله لمواجهة ظاهرة الغزو الثقافي ، الذي اسقط (ابن ثنوة) والكثير غيره من شبابنا الاعزاء في وحل الرذيلة ؟
ماهو التعامل الحكيم الأمثل للمواجهة ؟
لا يتصور القارئ الكريم إننا نرفض الظواهر الثقافية الحديثة جملة وتفصيلاً ، بل هناك ظواهر ثقافية يمكننا قبولها ، وحتى تعزيز نشرها ، واحياناً أخرى نجد في الثقافة المستوردة ما يمكن إصلاحه ، وتعزيز تكامله ، لتنقيته من السلبيات التي تحمل أثر الأنامل الغربية التي خطته ، والعقلية الغربية الذي انتجته ...
لكن ، العقدة التي نقع فيها دوماً، في مثل هكذا مواجهات ، هي التأخر في فهمها ، والتأخر في التفكير الجدي لوضع العلاج لمواجهتها ، ما يسبب مشكلات إضافية ، تستهلك قدراتنا الفكرية والثقافية ، فضلاً عن تداعيات ذلك على المستويات الأمنية والسياسية ، فتصل بنا الحال الى الشلل والعجز التام عن المواجهة ، كما حصل في ( نكسة تشرين الأخلاقية ) التي استمرت نشاطاتها قرابة سنة كاملة ، بل الى الآن نعيش تداعياتها الكارثية .
إننا أمام ظاهرة الغزو الثقافي لا يجب علينا الاكتفاء بإعلان المواقف الرافضة كما هي الحال السائدة على الأغلب .
نعم ، عندما يتعرض الإنسان الى هجوم ما ، لابد له من الدفاع ، فهذا مما لا شك فيه ، وهو مبرَّرٌ ولا عيب في إعلانه ، بل حقٌ تضمنتهُ المواثيق والأعراف كلها ، شرط ، أن نكون حريصين حرصاً شديداً في عدم الانجرار الى دائرة الانفعال ، والحذر من نشر روح الانفعال ، فالانفعال من أسوأ وأقبح الافعال عند الشروع بالمواجهة ، ليس لأنه سيؤول الى تحشيد الطاقات ، لتخلص بعد ذلك الى صنع رد فعل سريع غير مدروس ، بل قد يسبب تدمير الاسس التي ترتكز عليها آليات الدفاع ، ما يؤدي الى القضاء على مشروع المواجهة برمته.
ثمة وسائل كثيرة يمكن التفكير بها لبناء جدار الصد الاول ، منها الرد بالمثل ، وهذا من آليات المواجهة وليس آلياتها كلها ، ولنا في فعل ذلك خزيناً ثقافياً هائلاً ، ليس الادبَ أولُه ولا التدّيُنَ آخرُه .
كما لابد من استبعاد حمل السلاح في مواجهة الغزو الثقافي ، فالسلاح في هذه الحال ، هو القلم لا غير ، وان كانت طبيعة الافكار التي يحملها الغزو الثقافي عادة ، إلغائية ، ولا تعطي ادنى احترام للخصوصيات الثقافية والاجتماعية والدينية ، لكننا يجب ان نعلم ، اننا نواجه حرباً ناعمة ، وان كان تأثيرها قاسياً ونتائجها قد تسبب الكثير من الخسائر في الارواح والدماء ، لكن مع ذلك ، فالمتسبب في الظاهر لا يحمل سلاحاً ، وحملك له سيجعلك دموياً وقاتلاً ، بل وارهابياً امام العالم ، وربما حتى امام انصارك والمتفاعلين معك .
ترى ! هل نحن قادرون على المواجهة ؟ والسؤال الأوْلى .. هل نحن حقيقة نواجه غزواً ثقافياً في العراق ؟ وهل لدينا امكانية وضع مشروع لمقاومة هذا الغزو ؟ ومَنْ المؤهل مادياً وفكرياً لقيادة هذه المقاومة ؟
هذه دعوة لجميع الاقلام المحترمة للكتابة في هذا المشروع بحثاً ودراسةً ، كما انها دعوة الى قياداتنا الاجتماعية والروحية ، ان تأخذ دورها في مقاومة الغزو الثقافي الذي يتعرض له بلدنا الحبيب ، فلا يخفى ان هذا الغزو أعظم خطراً من الغزو الامريكي والداعشي ، وعلى الدولة ان تعمل على تأسيس هيئة حشدٍ ثقافي لمواجهته ..
https://telegram.me/buratha