حمزة مصطفى ||
الناس في كل الدنيا تستنجد بل تستغيث بالقضاء. فالقاضي هو الذي يحكم بين الناس بالعدل. والعقوبة التي تترتب على حكم القاضي هدفها الإصلاح المجتمعي لا الإنتقام. والقاضي طبقا للمدونة الإسلامية هو كمن يذبح بغير سكين. والقضاء هو خط الدفاع الأخير للمجتمع والدولة. في العراق خصوصا بعد عام 2003 وبسبب كم الإشكاليات التي رافقت العملية السياسية إختزلنا القضاء بماهو سياسي لا بمشاكل وطلايب ومصائب المجتمع الأخرى التي لاتقل إن لم تزد في كثير من الأحيان عن القضايا السياسية سواء كانت قضايا إرهاب أو فساد أو سواها.
مايجري في المجتمع من جرائم قتل وإغتيال مع سبق الإصرار أو قذف وسب وتشهير وخيانات وطلاق وعنف أسري أمور باتت لاتطاق, بل تعدت حدود قدرة القضاء على التعامل معها. فأما المواد القانونية التي يحتكم اليها القاضي باتت قديمة ولم تعد تتلاءم مع ما أضافه التطور التقني ومن بينه الإنفجار الفضائي عبر منصات الميديا والسوشيال ميديا من مشاكل وأزمات, أو أن العقوبة في إطار القانون لم تعد رادعا حتى لو وصلت الى الإعدام.
لذلك حين أقول أن القضاء بات يستغيث لأنه وطبقا لما ينشر ويتداول من أخبار بشأن مايجري في المحاكم أو مايقوم مجلس القضاء الأعلى بنشره من بيانات يؤكد أن المجتمع بجميع فعالياته السياسية والفكرية والدينية ونخبه من صناع رأي عام وقادة تخلوا في الواقع عن مهامهم الحقيقية في إصلاح المجتمع ماعدا الخطب والبيانات للنخب والسياسيين والمفكرين والوعظ والإرشاد بالنسبة لرجال الدين وركزوا على ماهو سياسي فقط. وهذا يعني أن القضاء بات وحيدا في مواجهة أزمات مجتمعية بلغت في جوانب منها حد الإنهيار ومامن مجيب أو مستجيب.
لست رجل قانون لكن الذي أعرفه أن دور القضاء هو وضع حد للجرائم بمختلف أنواعها بنية الإصلاح والبناء. وهذا يعني أن القضاء هو المطاف الأخير لما يمكن أن يفرزه المجتمع من مشاكل أو جرائم. أي أن السلطات الأخرى التنفيذية والتشريعية والسلطة الرابعة الإعلامية وكل السلطات الأخرى بمن فيها الدينية والعشائرية وسواها من السلطات المؤثرة في المجتمع هي التي يفترض أن تعالج قضايا المجتمع عبر الحكم الرشيد. فعندما تكون هناك تشريعات ترتقي الى مستوى طموحات الناس وحكومات قادرة على تطبيق هذه التشريعات بمنطق العدل والإحسان ورقابة حقيقية من باقي السلطات فإن دور العدالة في كل محاكم البلاد لن تشهد الإ حالات بسيطة وعادية يمكن أن تحصل حتى في جمهورية إفلاطون أو مدينة الفارابي الفاضلة. لكن أن تتراكم الأزمات والمشاكل والمصائب بدون حلول فإن نهايتها ستكون مأساوية حتى حين تحال الى القضاء. فالأحكام هنا في الغالب الأعم سليمة قانونيا لكنها لن تحل مايترتب من آثار مجتمعية عليها بسبب الخلل في باقي المنظومات السياسية والمجتمعية والفكرية قبل وصولها الى القضاء.
https://telegram.me/buratha