محمود الهاشمي ||
بعد تداعيات الانتخابات الاميركية ،وهجوم الكونغرس ،وهزيمة ترامب ،وتلويح الداخل الاميركي بالانقسام ،بات العالم اجمع يفكر في واقع دولي اخر ،ليس فيه من الهيمنة الدولية لاحد على اخر !
دول عديدة اعدت نفسها لمرحلة مابعد "الهيمنة الاميركية"مثل الصين وروسيا وايران والهند وتركيا وفرنسا والمانيا ودول في جنوب شرق اسيا واميركا اللاتينية ،فيما بقيت دول اخرى (متفرجة) تنتظر صعود هذا القطب او ذاك للالتحاق به ،فقد اعتادت ان تكون تحت رعاية الاخرين .
الدول العربية هي الاكثر انشغالا بداخلها ،فقد عصف بها (الربيع العربي)وجعلها في حال لاتحسد عليه ،بحيث لاتعلم مايدور ببعض ولاياتها وليس بالدول الاخرى ،فيما تعيش دول الخليج حالة (من القلق) لاتعرف ماذا يخفي لها الغد ،فقد اوقفت مالها ومصيرها بيد الولايات المتحدة ودول الغرب .
ربما هي فرصة للدول العربية ان تنتظم في موقف يجعلها قوة فاعلة بالمنطقة والعالم ،وان لاتنشغل بالتصعيد بين اسرائيل وايران ،فقد ثبت لهم ان ايران دولة متماسكة قد هيأت جميع ظروفها الى اي مواجهة مع الصهاينة ،ناهيك ان (اسرائيل ) لايمكنها الذهاب لوحدها في حرب مع ايران دون ان تضمن الموقف الاميركي والاوربي ،وبات كلاهما غير مضمون !
لاشك ليس من مصلحة اي دولة عربية الانحياز الى اسرائيل في اي مواجهة قد تحدث ،فالشعوب العربية عموما ترى في اسرائيل (حالة طارئة )
وذاكرتها عن اسرائيل ملأى بالاحداث المروعة من قتل واعتداءات واغتصاب ،ومجرد ان تشعر هذه الشعوب بان حكوماتها تميل كفتها لاسرائيل في اي حرب محتملة مع ايران ستحدث ردود فعل داخلية ومشاكل كبيرة ،خاصة وان (المقاومة الاسلامية) ستهاجم اي دولة تصطف مع اسرائيل
وبذا تجد هذه الحكومات نفسها متورطة في حرب داخلية وخارجية ،ناهيك ان العرب يدركون عموما بما فيهم (العملاء من الحكام ) ان ميل الميزان لصالح اسرائيل وتقويتها سيجعلها تتنمر عليهم !
يجب ان يفهم العرب ان اسرائيل تشكلت بصناعة غربية ،وتراجع النفوذ الغربي يعني بداية هزيمتها ،وان منطقة بلا اسرائيل اكثر هدوء واستقرارا ،وقد اتضح لهم الخيط الابيض من الخيط الاسود بان امن المنطقة من امن دولها دون اي تدخل خارجي ،لان هؤلاء وراء مأساة العرب .
علينا ان نؤمن ان تركيا وايران بلدان جاران ،لهما معنا تاريخ مشترك متداخل الاحداث ،وانهما (الان) افضل حال منا ،في الجانب الحضاري والتقدم على كافة الاصعدة ،
ولايمكن لنا ان نتجاوز هذه (الحقيقة) واذا ما اردنا ان نستفيد من ادوات نهضتنا وتشكيل كتلة نواجه بها التحديات الجديدة ونشوء هذا الفراغ الدولي ،ان نحصي مالنا وماعلينا ،ومن هي الدول التي يمكن ان نستفيد منها في توجهنا هذا .
تركيا ادركت حصول "الفراغ " فسارعت مبكرا الى احياء روح (العرق التركي) في الدول ذات الاصول التركية والممتدة من تركيا الى اذربيجان وصولا الى كازاخستان ،وما (حرب قارباغ ) الا جزءً من هذا المخطط بالاضافة الى الانفتاح على اليونان وقبرص وحتى دخول القوات التركية للعراق ضمن ذات المشروع للدخول الى العالم الجديد بهذه الكتلة .
ايران تملك عمقا استراتيجيا في المنطقة العربية والاسلامية ،وتتفهم العلاقة مع الصين وروسيا ومع اوربا ومع بعض دول اميركا اللاتينية والوسطى مثل فينزولا وبوليفيا وكوبا ونيكاراكوا ايضا ،ناهيك عن الامكانية العسكرية والعقائدية والاقتصادية التي تمتلكها .
دول اميركا اللاتينية مزاج شعوبها يساري وتحمل (نقمة) على اميركا كبيرة ،وفيها دول بدأت مشروعها الاقتصادي الفاعل مثل البرازيل والارجنتين ،مستفيدة وقد بدأت التحولات السياسية فيها بصعود احزاب يسارية للسلطة والاعلان عن العداء لاميركا ،فيما وجدت في الصين عونا لها ،حيث وصل التبادل التجاري بين الصين وامريكا اللاتينية عام 2019
الى (223)مليار دولار ،وهناك جذور لحركات تحرر كثيرة في امريكا اللاتينية مثل التوبوماروس وغيرها ذات جذر شيوعي ماوي
واستلم احد قادتها السلطة في الارغواي عام 2010 وهو خوسيه موخيكا.
الصين شرعت بعقد معاهدة اقتصادية مع دول جنوبي شرق اسيا عام 2020( حيث اتفقت 15 دولة بقيادة الصين، ، على إنشاء أكبر كتلة تجارية في العالم، تضم ما يقرب من ثلث الأنشطة الاقتصادية في العالم، في خطوة تعزز قوة بكين اقتصاديا وتجاريا في آسيا.
وشاركت في إبرام الاتفاق، الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا أو ما تعرف بـ "آسيان" وتضم أندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلند، بروناي، فيتنام، لاوس، بورما، كمبوديا،
كما ضم التكتل الجديد اقتصادات الصين، المصنفة كثاني أكبر اقتصاد عالمي.
من الخطأ للعرب ان يبقوا في حالة (الذهول)
بل ان يستفيدوا من ارثهم التاريخي والديني والفكري وموقعهم الاستراتيجي وثرواتهم البشرية والاقتصادية ،اما اذا ذهبوا (فرادا ) باي مشروع مستقبلي فقد يحتاجون لقرن اخر كي يستعيدوا جزء من عافيتهم او يبقوا في ظلام دامس .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha