عمر ناصر*||
عند الاقدام على صناعة اي حركة دينية او عنصرية متطرفة فاننا نحتاج الى ان يصاحب هذه الصناعة تأثير بروبوگاندا وترويج اعلامي وعالي الدقة لتأثيراتها، وعادة ما يكون هذا التأثير له امتداد وعمق فكري للكثير من الحركات الراديكالية المشابهة لنفس الايدلوجية في الوجه الاخر من الكوكب وبغض النظر عن نوع الدين لكون النواة الاساسية للتعصب عادة تكون بذرتها مستندة على مبدأ ديني او قومي بحت.
اليوم نرى دخول هذه التنظيمات بمرحلة جديدة من تطور الافكار "الجهادية" التي بدأت تتحول الى فلسفة تحقيق المكتسبات السياسية بعد ان فشلت في تحقيق شيء ملموس من العمل العسكري من خلال اهداف كانت قد رسم لها قادتهم خارطة طريق لجذب عقول الشباب الثوري المتحمس لحماية الدين حسب فهمهم ومن خلال تحريك الحس الوطني والانتماء الديني لديهم ، بدليل نجاح الاتفاق السياسي وتنفيذ الاتفاق التاريخي بين قادة طالبان والولايات المتحدة قبل اكثر من عام من الان.
ولازال البعض منا يعتقد بأن فترة الهدوء النسبي او الصمت العسكري الذي يمر به ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) خلال الفترة المنصرمة هو انتهاء تام لوجوده او عملية اضعاف لقدراته من خلال اخماد واضعاف روحه القتالية ، وبالرغم اننا نتفق مع ذلك الا ان وجود خلايا مازالت تحت تأثير البنج الموضعي تراقب عن كثب ماتؤول اليها ألاحداث السياسية لغرض ايجاد ثغرات يكون الغرض منها انتقاء اهداف نوعيه وفي اوقات زمنية متباعدة تلحق خسائر واضرار اكبر مما لو كانت عمليات يومية كما كان يحدث في الفترة بين عام ٢٠٠٦ وعام ٢٠١٤، وان عملية الانتقال لهذه الاستراتيجية يعزى لعاملين الاول فقدان التنظيم الكثير من الحواضن التي كان لها الدور الاساس في تهيئة المناخ المناسب لتلك الهجمات ، وفقدانه السيطرة على منابع النفط وتجفيف المصادر الاساسية في تمويله من قبل الدولة والتحالف الدولي.
ان كل ماقيل اليوم من تحليل وقراءات من قبل الولايات المتحدة بأن عودة داعش ستكون اقوى من السابق ماهو الا هالة هوليودية كبيرة وورقة ضغط سياسية تستخدم عادة لتحقيق اهداف استراتيجية مدروسة بدقة في الشرق الاوسط على المنظور القادم، فجميع المعطيات ترى بأن التنظيم اليوم يمر بأقسى ظروف ديمومته في محاولة بائسة لمعالجة جراحه في ظل تهاوي اسعار النفط والازمة المالية العالمية الخانقة وتداعياتها على المشهد الاقتصادي وتوقف الارض عن الدوران بسبب كورونا اذا اردنا المبالغ قليلاً .
ان انتهاج داعش لسياسة تلون الحرباء من اجل اعادة التموضع والانتشار لغرض السيطرة الكلية على المناطق التي يزعم بأنه لازال له عمقاً مذهبياً فيها ماهي الا عملية لعق لجراح اصابها اللوّث الفكري قبل الجسدي والتي لم تعد اليوم مقبولة حتى لو تعرض اهل تلك المناطق للظلم مجددا من قبل الحكومة ، وبالتالي فأن الوضع الامني في المحافظات التي عانت من الارهاب سيكون مرهوناً بطبيعة الاداء الحكومي تجاه كرامة الانسان ومستوى الحرفية في التعامل معهم ، ودرجة منسوب الوعي المجتمعي تجاه ذلك لكونه يعد المغذي الاساسي والبيئة الخصبة التي تنتعش بها طفيليات التنظيم ليستطيع الولوج والانتشار وجذب اذهان الشباب الذين لم يستطيعوا الوصول لأبسط مقومات العيش الكريم.
* كاتب وباحث في الشأن السياسي
https://telegram.me/buratha