يتساءل الكثيرون عن خطبة الجمعة، التي تعودنا على سماعها ومشاهدتها، وقبل ان نخوض في غمار أسباب الانقطاع ومعطياته، علينا ان نعرف ماهي خطبة الجمعة.
الخطابة كما عرفها ارسطو انها: قوة تتكلف الاقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة (الخطابة، ارسطو طاليس، الترجمة العربية القديمة، تحقيق وتعليق د/ عبد الرحمن بدوي، ص9، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1959م).
وهي من الفنون الأدبية التي عرفها العرب، واهتموا بها منذ القدم، والتي تعنى بمواجهة المجتمع ومشافهته، بطريقة الاقناع وتقديم البراهين والحجج، باسلوب ادبي في طياته شيء من الاستمالة العاطفية، ويكون تناولها سلسا كي يتمكن من فهما جميع شرائح المجتمع، استخدم العرب الخطابة سابقا وحتى الأن، في الحروب و الدين والسياسة وتوجيه المجتمع، حتى شاعت كثيرا، بذات الاستخدام ولنفس الغرض المنشود، ألا وهو اقناع الجمهور او المجتمع، بتبني فكرة او التخلي عن موقف، او التوجيه لتحقيق اهداف محددة، وللخطابة اركان رئيسة، تتمثل بالموضوع او الرسالة، والجمهور، والمرسل، ولكل منهم خصائصه وصفاته ومميزاته، كما أشار لذلك الجاحظ في البيان والتبيان، ونكتف بانها ذكرت في القرآن الكريم في اكثر من موضع، ((وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)) (سورة ص20) ((وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)) سورة ص23)
كما ذكر جل ذكره، في القرآن أيضا، فصاحة الأنبياء وبلاغتهم بخطبهم مع قومهم ومجتمعاتهم.
اما خطبة الجمعة، فهي من الخطب الدينية التي اعتاد عليها المجتمع الإسلامي، تتناول بعض التعاليم الدينية، بالإضافة الى النصح والتوجيه، وصلاة الجمعة بحد ذاتها، فرض عيني عند ابناء الجماعة والخطبة احد اركانها، (ورد ذلك موطأ مالك كتاب الجمعة، كتاب الشافعي، الكافي في فقه الامام احمد ابن حنبل باب صلاة الجمعة)، وعند الامامية الاثنا عشرية، صلاة الجمعة واجبة في عصر الظهور، ومستحبة (او واجب تخيري) في عصر الغيبة, وذلك ورد بمنهاج الصالحين للسيد ابو القاسم الخوئي.
الكل يجمع بان الخطبة احد اركان صلاة الجمعة، وهذا هو لب حديثنا، لماذا يهتم الجميع بخطبة الجمعة؟ من يستمع لها او يطبقها؟ من المسؤول عنها وماذا يجب ان تتضمن؟
استفهامات تدور، تحتاج الى اجوبة منطقية،
بعد ان عرف الاعداء والخصوم والاصدقاء مدى اهمية خطبة الجمعة، صارت محط اهتمامهم ومتابعتهم، وبالاخص في الفترة الاخيرة ما بعد سقوط الصنم، وما رافق ذلك من احدث، كالاحتلال والنهب والدمار والعمليات الارهابية وغيره، وقد اكتسبت خطبة الجمعة هذه الأهمية كونها تحمل في الغالب آراء المرجعية الدينية في النجف الاشرف وفي بعض الاحيان بيانتها الصادرة، ولأن مجتمعنا العراقي متقلب المزاج، ومتلون الآراء، وسريع التأُثر اخذ يأيدها احيانا واخرى يرفضها، او قد اجبرته الظروف على الامتعاض منها، بسبب معاناته من الطبقة الحاكمة، بعد ان اشارت الخطب الى ضرورة المشاركة بالاتخابات التي يراها البعض وسيلة لاعلان نتائج خطت مسبقا، وعاد المجتمع يتقبلها ويؤيدها، بعد ان جاءت بفتى الجهاد الكفائي لضرورته واسبابه، حتى خرج المؤمنون بالوطن يحملون بنادقهم ليفدوا الوطن بدماءهم، فمثلوا خير استجابة لتلك الفتوى، بالسرعة و الأداء والالتزام، وهذه هي السيكلوجية البشرية، تستجيب وتعترض بحسب الحاجة والظروف، فللرفض اسبابه وللتقبل اسبابه، وبعد ان دخل الجمهور بخيبة أمل جديدة، من ذات الطبقة الحاكمة نفسها، بدأ يعول على الخطبة تارة، ويمتعض منها تارة، فعندما توبخ الفاسدين يفرح المواطنون، وعندما تشير بالنصح والتوجيه للساسة تتلقى انواع التهم والشتائم، والغريب! انها حين تبوح بنصائحها للجمهور، وتنتقد الفوضوية والتدني الاجتماعي، تجاب بالإعراض وعدم المقبولية.
ساسة وشخصيات محلية ودولية واقليمية، بالاضافة الى المجتمع، كلها تريد وتستمع وتنتظر خطبة الجمعة، ما بين مريدين ومحبين، ومتابعين ومحللين، وبين المتصيدين في الماء العكر، إلا ان تلك الخطبة رغم شعبيتها ومتابعيها، لم تحظى الى الأن بمطبقين حقيقين يمتازون بالمطاولة والحكمة، بل لم تلقى سوى أذان صماء، إلا ببعض الظروف النادرة او الشخصيات القليلة التي لا تصفق لوحدها، الجميع يحب الصالح والغالبية لا تتقبل فلسفة وافكار المصلح وتنتقد افعاله، على الحد الدنى، فقد تحارب المصلح اصلا، وتحول بينه وبين الاصلاح، الهبوط الاجتماعي يتسارع ومستوى تقبل النصيحة يتراجع، وكأن خطبة الجمعة وضعت لانتقاد الساسة وتوجيههم فقط، وكم تمنيت ان يطبق الساسة "الحكماء" الكلام الحكيم، فلم تعود خطبة الجمعة؟ بعد انقطاعها لاسباب صحية اذا كانت لا تلقى من يطبقها و يصغوا لها بحكمة وجدية لا من الحاكمين ولا من المحكومين.
https://telegram.me/buratha