زيد نجم الدين ||
انتخابات تلو اخرى تشهد الساحه العراقية تشظي متنامي في الاحزاب و الكيانات الانتخابية ، ففي استعراضٍ سريع لبيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، نجد ان في انتخابات 2006 بلغ عدد الائتلافات الانتخابية 19 ائتلافاً انتخابيا ، في حين ان هذا الرقم تراجع بعض الشيء في انتخابات 2010 الى 12 ائتلافاً انتخابيا ، جاء هذا التراجع اثر تشكيل ائتلافان كبيران و همها القائمه العراقيه و ائتلاف دولة القانون و هذان الائتلافان تشكلا نتيجه لتحالف مجموعه من الاحزاب و الكيانات التي فضلت تشكيل تحالفات كبيره على حالة التشضي الحزبي، لكن في انتخابات 2014 قفز عدد الائتلافات الى 277 ائتلافا و هذه تعد نقله غير مألوفة في التجربتين الانتخابيتين السابقتين ، اما في انتخابات 2018 و التي شهدت اقل نسبة مشاركة اذ سجلت المفوضية 204 ائتلافا و على الرغم من ان هنالك تراج في عدد الائتلافات عن انتخابات 2014 الا ان هذا التراجع يبدو منطقيا نسبة الى تراجع عدد المرشحين للانتخابات ، ففي انتخابات 2014 بلغ عدد المرشحين 9039 مرشح اما في انتخابات 2018 تراجع هذا الرقم الى 6,904 مرشح و هذا الرقم قريب جدا مما سجلته انتخابات 2005 و2010 اللتان سجلتا 6655 و 6281مرشحا (على التوالي)، اما في الانتخابات المزمع اقامتها في اكتوبر 2021 ، فبحسب اخر احصائية اعلنت عنها مفوضية الانتخابات في 31 كانون الثاني 2021 هنالك 52 حزبا ابدى رغبته للمشاركة في الانتخابات كذلك هنالك 69 طلبا قيد التسجيل لاحزاب جديده قد تضاف الى عدد الاحزاب المجازه و الذي عددها 235 حزبا ، و بلا شك فأن هذه الارقام قابلة للزياده اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان اخر موعد لتسجيل الاحزاب و الكيانات هو 10 شباط 2021 ، وبهذا الخصوص يتوقع مراقبون تجاوز عدد الائتلافات المشاركه في الانتخابات عتبة الثلاثمائة ائتلاف.
ان هذه التشظي المتزايد في اعداد الاحزاب و الكيانات المشاركه في الانتخابات بشكل فردي غير ائتلافي يعبر عن غياب وحدة الهدف التي تجمع الحلفاء في برنامج ائتلافي-انتخابي يكون سبيلهم لتحقيق الغاية التي يتشارك بها المتحالفون ، فمعظم هذه الاحزاب تميل لخوض السباق الانتخابي بمفردها دون الائتلاف مع احزاب اخرى تشترك معها بنفس الشعارات ، و هذا ما يجعلني اعتقد ان هذه النمط من الاحزاب غير مهتم لتحقيق شعاراته و اهدافه ، فهم يستخدموها كوسيلة لكسب الاصوات الانتخابيه ليس الا ، فالحزب الذي تقوده اهدافه و شعاراته لخوض الانتخابات لا بد له ان يسعى بكل قوة لتحقيق تلك الشعارات لا سيما من خلال العمل المشترك الانتخابي مع بقية الاحزاب ، اما تلك الاحزاب التي تبحث عن ما يبقيها في دائرة المنافسة فهذا النوع من الاحزاب سيترك اهدافه الاساسية جانبا و يبحث عن السبل التي يستطيع من خلالها زيادة اسهمه في طاولة التحاصص و التغانم الحزبي.
و من الاستعراض اعلاه ، يتبين لي أن اغلب هذه الاحزاب لا ترتقي في اهدافها و مشاريعها و متبنياتها ان تكون احزاب حقيقية ذات اهداف واعده تسعى لتحقيقها من خلال ما تبثه من افكار و رؤى تجذب الجمهور للأنخراط في تنظيماتها بقدر ما هي كروبات مبنيه على اتفاقيات انتخابيه (مرحليه) سرعان ما تتلاشى بعد انتهاء الانتخابات و ظهور النتائج ، ايضا، ان اغلب هذه الاحزاب في الحقيقه تكرس نشاطها في فترات وجيزه ( قبيل الانتخابات ) لكسب اصوات انتخابية و ليس لكسب جمهور حزبي حقيقي ، و الفرق في ذلك كبير ، اذ ان البحث عن جمهور انتخابي يتطلب الحديث بلغة خطاب شعبوي يتماشى مع المزاج السائد و عاده ما يفتقر هذا الخطاب الى البرامج العملية المسنده الى تقييمات علمية ، في حين ان عملية كسب اعضاء و مناصرين للحزب تتطلب تبني خطاب ثابت و غير انتخابي يشمل رؤى متكاملة عابره للظرف الاني و المرحلي.
اليوم في العراق و بسبب الامثلة السيئة للحزبيين اصبح الكثير من ابناء الشعب يعتقد ان التحزب و الانخراط في تنظيم ما شيء معيب و غير محبب ، و بالمجمل استطيع القول ان معظم هذه الاحزاب ليست ذات افق واسع و رؤيا مختلفه تمكنها من احداث فارق مهم في النمط المألوف ، و اسبب ذلك بالدرجه الاولى الى عزوف اغلب النخب و الكفاءات عن التمحور في مشروع سياسي رصين طويل الامد يقدم نموذج محترم ياخذ على عاتقه اعادة ثقة الجمهور بالعمل السياسي و التنظيمي.
https://telegram.me/buratha