منهل عبد الأمير المرشدي ||
في ثمانينات القرن الماضي استقبل العراق قرابة الأربع ملايين مصري بأمر مباشر من صدام حسين الذي استثمرهم في التعويض عن مليوني مواطن من الموظفين والعمال وغيرهم الذين توجهوا الى جبهات القتال في الحرب مع ايران . كان المصريون حاضرين في سلك الأعمال الخدمية والإنشائية على طول مساحة العراق فلا عامل نظافة الإ المصري ولا منظف لمجاري الصرف الصحي الا منهم وكذلك حين تذهب الى مسطر العمال تجده مليئا بالمصرين من الباب الى المحراب وحيثما كنت تشاء تجد.
فالمصري هو ( الخلفة والعامل والنجار والحداد واللباخ والحفار والدفاّن وصولا الى بيع الفلافل وصناعتها ) وحين تسأله ماذا تعمل يجيبك على الفور إنه ( بتاع كله ). وفعلا أغلق المصريون منافذ الفراغ في الدولة من عامل المجاري والتنظيف الى موظف الدائرة الى عامل البناء الى سائق الحافلة وكان لهم في العراق قصص وحكايات بعضها لا يخلو من الجمال والكثير منها قد لا يصلح للنشر .
من باب الطريفة ان أحد المصريين وقف بجانب رجل عراقي كان يتناول السنديوج ويشرب السفن آب فسأله العراقي ماذا تريد فرد عليه المصري (أتريعلك يا بيه) . نعم عاش المصريون بيننا اكثر من عشرين سنة وتزوجوا وتصاهروا وصار لهم عوائل وبيوت وارتبطوا بأحساب وانساب فليس غريبا حين تسأل المصري من اين تنتسب حضرتك فيكون جوابه أنا ( فريكي) ويقصد فريجي او يقول انا ( كميلي ) يعني جميلي او ( اريشي) يعني قريشي .
حتى ان احد الجمل التي كان العراقيون يختبرون بعضهم بها لسرعة اللفظ واختبار الذكاء هي هل تستطيع ان تقول ثلاث مرات (كدع كام , كدع كعد) . لا زلت اعرف البعض ممن ينتسبون الى آباء مصريين ولا ضير في ذلك فكلنا ابناء بني عدنان او قحطان وامة عربية واحدة ولكن حين إحتل صدام حسين الكويت وهو الذي منح المصريين المواطنة من الدرجة الأولى وأصدر أمرا خاص التزم به القضاء العراقي بإن من يقطع زرار مواطن مصري يسجن لستة اشهر .
حين احتل صدام الكويت وهاجر المصريون شلع قلع تناقلت وكالات الأنباء وكنا نتابع اذاعة موتنكارلو وصوت أمريكا حين ينزل المصري من الطائرة في مطار القاهرة فيسأله الصحفي من اين جئت يرد على الفور ( كينا من ارد البهايم) !! . ليس هذا فحسب فمصر وكما هو الإعتيادي والمعتاد مقر الجامعة العربية كان لها الدور الأول والأكبر وبرئاسة حسني مبارك في تحشيد العرب ضد العراق واصدار قرار شرعن الحرب الدولية على العراق رغم اعتراض ليبيا والأردن وفلسطين واليمن وسوريا وتحفظ الجزائر وتونس وفتحت مصر قناة السويس للبوارج الأمريكية والأطلسية للعبور الى الخليج لغزو العراق وكان الجيش المصري اكبر الجيوش العربية وأولها في البادية السعودية لقتال العراقيين متناسين كرم العراقيين لهم وتضحيات الجيش العراقي في الحروب مع اسرائيل وآخرها اسراب الطائرات العراقية التي دكت تل أبيب والمرابض العسكرية الإسرائيلية في سيناء في حرب 1973 .
ذكريات تمر بخاطري وانا اتابع ما يحصل من انبطاح مع الأعراب من حكومة عراقية وبرلمان عراقي وكتل سياسية يغلب عليهم وصف (بتاع كله) ولكن من باب آخر فهم يجمعون الخوف والردة والعمالة والطمع والخيانة والنفاق في سلة واحدة وحسبنا الله ونعم الوكيل .
https://telegram.me/buratha