د. بشار سعدون الساعدي ||
حينما أطلق الإمام الخامنائي هذه الكلمة على أناس إنما رأى أنهم شهداء يسيرون على الأرض إلى أجل أراده الله؛ةلعل أولى الدلالات التي تحملها هذه الكلمة تُحيلنا إلى الدلالة القرأنية في قوله تعالى:(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياءٌ عند ربهم يرزقون)، ولعل البحث في هذه الدلالة سوف تنُهك الباحث ولن توصله إلى كامل المعنى؛ لأن أياً كانت مجصلة البحث فيبقى ما عند الله أعطم ويبقى عصياً على العقل البشري أن يدركه كامل الادراك، ومن ثم كل ما يسعنا قوله في هذا السياق هو تصورات عقلية، قد تستند نوعاً ما على بعض النصوص الفقهية والاحاديث، إلا أنه يبقى ما عند الله خير واسمى. وبالتالي فكل ما يمكننا قوله لا يتخطى إدراكنا كبشر، ولا يمكننا أن نتصور كيف هي حياة الانسان عند الله، والخلاصة إن تصورنا كيف ما كان وكيف ما هو حجمه ودقة تفصيلاته فإنه يبقى تصوراً قاصراً.
أما في المعنى الثاني أو في الدلالة الثانية فإن هذا المصطلح يحيلنا إلى البحث في إنعكاسات هذا المعنى على الإنسان نفسه، بعبارة أخرى، كيف يحيا الإنسان وهو يدرك جيداً أنه شهيدٌ مدخرٌ إلى حين؟
لعل المرء في حالة كهذه يعيش مع اخرته التي صار يراها دون أن يحياها بعد، اكثر مما يعيش مع دنياه التي هو فيها، ومن ثم فهو لايقِم وزناً لحياته، وهكذا تراه يسير على الأرض وهو لا يخش ما عليها ولا يخاف على ما فيها، فكل ما يجري من حوله لا يخيفه، لأنه لا يغير عنده من الأمر الذي ينتظره شيئاً. وحين يمضي فما يملء قلبه إلا الشجاعة، بل أنهُ جسورٌ حتى انقطاع الرمق يسبق اصحابه في النوازل ويتقدمهم إذا ما اختلفت الاسنة.
وعليه فالدلالة الأولى تكمن فبي الثواب الإلهي، والدلالة الثانية تكمن في الاثر الذاتي، غير أن هنالك دلالة ثالثة تكمن في الاثر الاجتماعي؛ فالأمم التي تقدم شهداءً هي أمم حية لا تموت. وهنا كيف للموت أن يصنع حياة؟
يُعيدنا هذا السؤال إلى الحكمة الإلهية التي أرادها الله من هذا القربان. وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذا المعنى ليس حككراً على الدين الإسلامي ولا محصور قاب قوسي الفكر الديني الإسلامي فحسب؛ وإنما نجد ذات المعنى في الأديان السماوية الأخرى، فالمسيحية، على سبيل المثال لا الحصر، حينما قالت : إن دم المسيح المصلوب على العمود هو الذي يحرر الناس من خطيئتهم الأولى، وإن البشر يولدون من جديد بعد أن بررهم المسيح بدمه.
فإنهم هنا يرمون إلى ذات المعنى، أي أن للشهادة كرامتين: كرامة في الحياة الاخرى، وكرامة في الحياة الدنيا لابد وأن يظهرها الله في يوم ما.
والمحصلة أن الله جعل من دم الشهداء بدايةً ينعطف عندها التأريخ ويسير العالم بمسارٍ أرادهُ الله، وإن أُجِلَ إلى حين.
ولبإستعارة بعض الكلمات من قصيدة (يا حسين بضمايرنا) ففي مطلع البيت يقول: (لمسنا بيك أبو الأحرار.... عرفنا الموت حرية) ندرك جيداً أن هذه الكلمات قد اختصرت المعنى. فكيف تولد الحرية من رحم الموت؟ تلك هي الحكمة الإلهية التي خطت للعالم طريقه، وما أراد الله أن يكون ذلك كذلك إلا إذا كانت الميتةُ كرامةً والميت كريم.
إذن، فلتدرك الأمة أن الله قد ادخر شهدائنا ليومٍ ارادهُ سبحانه ليصحح فيه التاريخ مسيره وينعطف إلى حيث شاء الله وقدر. غير أن هذا كله لا يعفِ الأمة من السعي لمجدها؛ وإنما عليها أن تستثمر ما تركه لها شهداؤها، ولتعي جيداً أن الله لا يُذهِب ريحهم طالما هم َيحيَوّن بشهدائهم، وليعلموا ايضاً، أن سائر الأمم تحسدهم عليهم. غير أن كل ذلك يدعونا إلى البحث في الكيفية التي تمكننا أن نحيا بشهدائنا؟ و نُصَيرَ فيها الدم مجداً؟
https://telegram.me/buratha