المقالات

الإسلامي بين الحقيقة والتزييف


 

رياض البغدادي ||

 

ما هو الموقف العملي والفكري للمسلم المؤمن في هذا العصر ؟ هل يشعر ان لديه رسالة وتكليفاً يجب عليه أن يؤديه ؟

هذه الشعوب التي يناهز تعدادها المليار ، تعيش في خضم عاصفة من الافكار المناقضة لديانتهم واعتقادهم ، يواجهون اعداءً يتوارون خلف المئات من الحجب والزخارف التي تخطف الابصار ، وتحت عناوين تأخذ بالقلوب والأفكار ، يصرّحون تارة بعدائهم للدين ، ويُضمرون ذلك تارة أخرى، ويعلنون أنهم انما يريدون اصلاح الدين ، ألّا انهم هم المفسدون ، ويعلمون بفسادهم ، وانما يفعلون ذلك نكاية بالدين الحنيف ، ويصرون على عملهم الشائن هذا ..

ان الليالي لحبلى ، وكل يوم نصحو على ولادة احداثٍ ، تجر اهل الدين واليقين ، الى فتن كقطع الليل المظلم ، لا يكاد المرءُ ان يثبت قدمه على ارضٍ يسلم فيها من الوقوع والضياع ، والادهى والأمّر ان هذه الفتن والأهواء لها كتّاب منحرفون ، وسياسيّون ورجال دين مزورون ، اتخذوا من لباسهم الديني برقعاً يخفون خلفه معاول الهدم للاسلام الحنيف ..

ترى ! ماهو الموقف الذي يجب على المسلم ان يتخذه امام هذا الهجوم ، الذي يتعرض له دينه وعقيدته ؟

وللإجابة على هذا السؤال الخطير، لابد ان نوضح للمسلم حقيقة تكليفه الشرعي ، الذي سيكون مسؤولاً عنه امام الله تبارك وتعالى يوم القيامة ، لابد ان نعطي للمسلم وبشكل مختصر وسريع ، لما يتوجب عليه فعله امام هذه الاخطار ، التي تحيطنا من كل حدبٍ وصوب..

ان المسلم يعلم علماً ضرورياً ، لا جدال فيه بوجوب اقامته للصلاة اليومية ، وأدائه للحج والصوم، وبذل ما يتوجب عليه بذله من الحقوق الشرعية ، لكن ، هل يعلم المسلم ان عليه تكليفاً آخرَ غير ما ذكرناه ؟ هل يعلم المسلم واجباته التي تتخطى واجبه الفردي ( الشخصي ) ، وبمعنى آخر ان يعلم المسلم ان هناك تكليفات اجتماعية عليه ان يُبرئ ذمته منها ؟

المسلم يعلم ان عليه أداء فرض الصلاة وهو عمل عبادي شخصي ، فهل يعلم بوجوب السعي لاقامة مجتمعٍ مصلٍّ ؟

والمسلم يعلم بواجبه الشرعي في أداء الخمس والزكاة ، لكن ، هل يعلم ان عليه تكليف اقامة مجتمع مُزكٍّ ؟

المسلم يعلم علماً ضرورياً بوجوب انتصاره على نفسه وكبح جماحها ، ودحض سعيها في جره الى الهوى والملذات المحرمة ، لكن ، هل يعلم بوجوب سعيه الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الاجتماعي والدائرة الاوسع من شخصه ؟

اننا اليوم امام اشكالية فريدة من نوعها لم يتعرض لها الاسلام في الماضي من العصور ، فالاسلام كان قائداً لمسيرة المجتمع ، يقيم حدودهم ويشرعن زواجهم ويُبرئ ذمتهم في الطلاق والوصاية على اليتيم ، والولاية على من لا ولاية له ، الدين كان يحدد للمجتمع طريقه في الحجر على السفيه ، ويُنصِّب لهم من يدير امواله ومصالحه ، وغير ذلك الكثير الكثير من التفاصيل ، لكننا اليوم نواجه مشكلة لم تمر سابقاً على المجتمع الاسلامي ، مشكلة ابعاد الدين عن الحياة والحجر عليه في زاوية من زوايا ( المعبد ) ، الذي جعلوه بديلاً للمسجد ، المسجد الذي فرض وجوده حتى على تخطيط المدينة الاسلامية ، فنراه ملتقى الطرق والاسواق ومحط ركاب القوافل ومركز تجمع الناس ، فمنه تُشَيَّعُ الجنائز ومنه تنطلق افراح الزواج ، وفيه تُقْبَرُ الفتن والمعارك التي تحدث بين الناس ، ان المشكلة التي نواجهها اليوم اننا مجبرون على تغيير خرائط مدننا ، ومحو مركزية المسجد منها ، ليحل محلها صنم ( تمثال ) يمثل رأساً من رؤوس الكفر والالحاد ، او مَعْلَماً او جدارية فنية يُضْفون عليها مسوحات اخلاقية ، وشعارات زائفة بإسم الحرية وحقوق الانسان وغيرها ..

قطعاً ، لا يمكن لعاقل ان ينكر وجود النماذج العملية الثلاثة في الحياة ، نظرية النماذج الثلاثة ، طرحها المفكرون والفلاسفة منذ آلاف السنين وقد اقرتها الشرائع والكتب السماوية ..

ترى ! لماذا تُدمج في نموذج واحد في الاعلام الاستعماري حين يكون الدين محل النقاش ، ويتعمدون ان لا يضربوا المثل الا بواحدة من صوره العملية ؟

لنقف عند هذه النقطة ونركز عليها قليلاً من التفكر ، لتكون اكثر وضوحاً ، فالاعلام الاستعماري غيّبها عن الناس عمداً ، عندما يكون الدين محل النقاش ..

اقول ، ان الحياة فيها صورتان واضحتان في كل مفصل من مفاصلها العملية وصورة واحدة اخرى تمثل الوسط في كل شأن عملي ، لكن ، في القضايا الفكرية توجد صورتان فقط لا ثالثة لهما ، فالخير لا يناقضه الا صورة واحدة وهي الشر ، والحق لا تناقضه الا صورة واحدة وهي الباطل ، والكفر لا يناقضه الا الايمان ، والانسان امام العبودية لله ليس امامه الا نجدان ، إما شاكراً وإما كفورا ..

لنعود الآن الى صور القضايا العملية في الحياة لنرى كيف استغفلَنا الاعلام الاستعماري ورسم لنا طريقة للتفكير تدمج الافراط والتفريط والحالة الوسطى في صورة واحدة ، عندما يكون الدين محل النقاش ، وهذا واضح جداً اليوم في المجتمع العراقي بما لا ينكره احد ، فالاسلام السياسي هو صورة لتطبيق شرائع الدين وفرضها على الحياة ، بما اراده الله تبارك وتعال حيث قال ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) لنلقي نظرة سريعة على الوضع الاجتماعي في العراق ونسأل سؤالاً واحداً وبسيطاً لماسح زجاج السيارات في تقاطعات الشوارع والذي عادة يكون أُميّاً وبسيطَ التعليم ،نقول له :

بنظرك هل الدين عمامة ام شيء آخر ؟

انا فعلاً وجهت هذا السؤال في احدى زياراتي الى العراق فكان جوابه كالاتي :

-        عمو ، الدين اذا عمامة خو چان هارون عمامته اكبر من عمامة الكاظم !!     

ما اجمله من جواب !

وما اعقله من أُمي !

ترى ! لماذا عجز المتعلمون والمثقفون عن التمييز والفصل الذي اختصره شاب أمي لا يتجاوز عمره ستة عشر ربيعا ؟ كيف ميز الشاب الأُمي بين الاسلام الحقيقي والاسلام المزيف ؟ كيف اعطانا هذا الشاب البسيط درساً في الاخلاق والمعرفة عجز عن بيانه كبار مثقفي العلمانية ؟

لماذا يُصِرُّ دعاة العلمانية الغربية على دمج الاسلام الحقيقي في صورة الاسلام المبني على المصالح والأهواء ؟ لماذ استطاع الشاب الأمي ان يجرد الفاسد من عمامته ويفضح زيف اسلاميته ويعريه امامي ؟

نعم ، هذه هي الحقيقة ، فهناك اسلامي اعتزل الحياة ورضي بعمامة وكرسي للبحث والتدريس، وهناك اسلامي اختصر الاسلام بعمامة ليوهم بها الناس ويجرهم الى تأييده ليحكمهم لا لإقامة الحق بل لتأمين مصالحه ،وهناك إسلامي اضاف للعمامة وكرسي البحث والتدريس مهمة قيادة المجتمع وتحكيم شرع الله فيه ...

هل توضحت الصورة أم ان القضية لا يمكن فك رموزها في وسط هذا الاعلام الاستعماري المُطبِق على عقول الناس ؟

اننا امام مهمة كبيرة وتكليف شرعيّ لا مفر من تثبيت الموقف ازاءه ، فالاسلام سيبقى الحل الأمثل لاقامة الحق وتثبيت اركانه ، ولا مفر من ذلك الا الوقوع في اشراك العلمانية التي تهدف الى ابعاد الدين عن الحياة ، وتُصِرُّ على تقديم النموذج السيء لبعض المعممين ، الذين جعلوا من عمائمهم وسيلة للربح والتجارة وتأمين المصالح ...

لابد أن يعلم الناس ان الدين الذي نريد تحكيمة لا تمثله عمامة تدّعي الحكمة والاصلاح وهي راكسة الى منخرَيْ حاملها بالفساد والرذيلة ، الدين الذي نريده ان يحكمنا يمثله دعاةٌ نجباء ، زرعوا الفضيلة والعدل في نفوس المؤمنين ، امثال الامام الخميني والشهيد السعيد محمد باقر الصدر، وورثتهم الاعلام كالوليِّ الفقية الخامنئي والمرجع المؤيد السيستاني وغيرهم من الاتقياء الذين يمثلون المثل الأعلى في الحكمة والنزاهة والتقوى ...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك