د. جواد الهنداوي ||
لن تُختزل الزيارة،التي سيقوم بها قداسة البابا ،بتاريخ ٢٠٢١/٣/٥ ، بعنوان واحد ، وانمّا تتجلى بعدة عنوانين ،فهي تأريخية و دينيّة و اجتماعية ومعنوية واستشرافية و استراتيجية .
الأرض التي سيحّل بها قداسة البابا هي ارض العراق ،ارض الرافدين ،ارض الأديان و مهبط الأنبياء ، ارض الحضارات ، و المُعاناة ، ومثلما وصفها البابا في رسالته التي وجههّا الى شعب العراق قبيل وصوله .
ولكن فضاء إشعاع الزيارة سيكون المنطقة وليس فقط العراق ، والذي هو نواتها . المنطقة بملفاتها ،دائمة السخونة و المستعصية على الحلول السياسية و العسكرية ، ولعلَ الروابط الدينية او بالأحرى " الروحية " او " الإبراهيمية " قادرة على انتاج الحلول .
بعد الزيارة الميمونة لقداسة البابا ، افضلُ لنا وللعالم ان نستخدم الروابط الروحية او الإبراهيمية التي تجمع شعوب المنطقة و اغلب شعوب العالم ، بدلا من الروابط الدينية ،لأنَّ من نتائج المفهوم الأخير ( واقصد مفهوم الروابط الدينية ) تفشي الطائفية و داعش و الارهاب وجند الشام وجبهة النصرة و قسد وغيرهم ، والتي رعاها واستخدمها الغرب لغرض نشر الديمقراطية في منطقتنا و مواجهة حزب الله والحرس الثوري والحشد الشعبي .
ولم يغفل قداسة البابا ، في رسالته الى الشعب العراقي ،قبل وصوله ،أهمية الرابطة الإبراهيمية في المنطقة ، و اهمية السلام بين شعوب المنطقة . حيث كتبَ قداسته " منذ ألاف السنين بدأ ابراهيم مسيرته ، وعلينا اليوم ان نواصل هذه المسيرة بالروح نفسها ونجوب دروب السلام معاً " و أضاف قداسته ايضاً " و اطلب منكم جميعاً ان اقتدوا بإبراهيم ..." .
تسود " الإبراهيمية " زيارة و رسالة و ربما غداً خطاب قداسة البابا، مثلما تسود الخطاب السياسي لبعض دول المنطقة ( بعض الدول الخليجية في تطبيعها مع اسرائيل ) ، ولكن ، بدون شك ، فرقٌ بين الخطابيّن : خطاب القديس قائم على الحق و العدالة ،ومستلهم من روح والد الأنبياء ،النبي ابراهيم عليه السلام .
الشعب العراقي و شعوب المنطقة تنتظر من قداسته استحضار رسالات الأنبياء في دعواته وخطاباته وصلاوته التي سيقيمها في ارض أور وكنائس بغداد والموصل و أربيل ، من اجل نصرة المظلومين و المتضررين من الحصار و العقوبات و الحروب و الارهاب و الاحتلال في فلسطين وفي اليمن وفي سوريا وفي لبنان وفي ايران .
ننتظر من قداسة البابا ان يمهّد ارض المنطقة الى سلام ابراهيم ، من خلال دوره وسعيّه لإزالة الظلم والحيف الذي يصيب ابناء ابراهيم ،في احتلال أراضيهم او دولهم او تجويعهم بالحصار وبالعقوبات الجائرة .
الحديث و التمسّك بالإبراهيمية ،ديناً و منهجاً وسلوكاً، دون الدعوة الى سلام عادل ومنصف لشعوب المنطقة، هو حديث عن وجه واحد من الإبراهيمية .
زيارة قداسة البابا ولقاءه بسماحة آية الله السيستاني ( دام ظله ) رسالة تعبّر عن المكانة التي يحظى بها سماحته لدى قداسة البابا ومحبيه و اتباعه ، هي رسالة تأييد بابوية و مسيحية للدور الذي يقوم به سماحته في المشهد السياسي في العراق .
لن يحرم قداسة البابا قادة العراق الاتحاديين و الاقليمين ( كردستان ) من حصصهم في الزيارة و في اللقاءات والصلوات ، وستحظى مدينة الموصل بزيارة قداسة البابا ،الامر الذي يدلُ على اهمية و مستقبل هذه المدينة التي تتجاوز مساحتها مساحة مملكة بلجيكا ، والتي رزخت تحت احتلال داعش ، وتعرضّت جوامعها و كنائسها الى التخريب والدمار من قبل عصابات داعش الإرهابية ، وتراقبها و تترصدها ويطمع عيون الأتراك .
https://telegram.me/buratha