محمد هاشم الحجامي ||
عندما كنا ندخل على السيد السيستاني في تسعينات القرن العشرين كان أزلام أمن صدام يحيطون المنزل ويفتشون الداخلين بطريقة اقرب للترهيب منها إلى حفظ ألأمن ، مرة دخلت عليه وسلمت تأخرت قليلا واذا بضابط تكريتي يصرخ علي ( لا تكف ) اي لا تقف وهي لهجة الغربية في العراق طالبا مني التحرك والابتعاد ، وها أنا اليوم أرى السيد السيستاني المحاصر و الممنوع عن مقابلة شيعة ال البيت ، يفد علية القوم علماء ومشاهير ومفكرين ورجال دين ، ليحط اخيرا في بيته المتواضع رأس الكنيسة الكاثوليكية والأكثر اتباعا في العالم ، ليرى زقاقا ضيقا وبيتا متواضعا يسكنه رجل تجاوز التسعين عاما ، بسيطا بلا تعقيد ، سائرا على نهج علي أمير المؤمنين يوم نزل الكوفة فأبت نفسه السكن في قصرها الفخم ونزل بيتا كبيوت فقرائها .
عشقُ علي ليس شعارا ولا دعاية ، إنه عمل وموقف يثبته الفرد بسلوكه وتصرفه وممارسته ، فكم منا يدعي حبّ أبي تراب شفاها بلا واقع خارجي ورياء بلا صدق واعتقاد وحياته حياة معاوية ونهجه نهج يزيد .
عندما تلبس عمة سوداء فهي رمز علوي نسبا ومعرفة فانت تقول أنا حفيد من يصرخ ليلا ونهارا ( يا دنيا غري غيري ) ، ومن عنده الخلافة لا تساوي شسع نعله ما لم يقيم عدلا أو ينصف مظلوما .
هكذا كان المرجع الشيعي عبر التأريخ وهكذا لابد أن يكون ، مواسيا الفقراء قولا وفعلا ، بلسانه وعمله ؛ فكان هذا ديدن غالب مراجعنا .
فكان السيد ألسيستاني صوت المظلومين ليس بالعراق وحده إنما في العالم أجمع فما الإشارة إلى القضية الفلسطينية إلا جزء من هذا الهم الكبير الذي عاشه المرجع وعمل على التنبيه عليه بالكلمة والموقف ؛ كي يثبته في نفوس زائريه ، صادحا به رغم أنه زمن الخيانة والتطبيع والاستسلام !!! .
الرجل العظيم عاش الحصار والتضييق وشهد حوزة النجف وهي تقتل أفرادا وجماعات وتهجر رجالها وتسلب مكتباتها ويخرب عمرانها ومحاولات طمس تأريخها ؛ فكانت صورة حزينة تغازل خياله وهاجسا يعيش في وجدانه وذاكرة مريرة ، مع ما شربته روحه من سيرة الإمام علي ( عليه السلام ) وهو يوصي مالك ألأشتر بأن ( الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) متعاطفا مع المحرومين والمهجرين والمخربة بيوتهم حيثما كانوا وألى أي دين انتموا ؛ فلا فرق بين ضريح الامام الحسين المهدوم على يد صدام وبين كنيسة مخربة في الموصل أو بين قتل الأكراد الفيلية وتهجيرهم لتشيعهم وبين قتل اليزيدية ، ولا بين سبي نسائهم وسبي بنات الرسالة ؛ فكلهم قتلتهم وهجرتهم عصابة تلبس الدين ثوبا وتدعي الحقيقة منهجا .
https://telegram.me/buratha