حسن كريم الراضي ||
حل الغروب على القرية ولم يكن واضحا جليا اليوم بعدما أظلم الوجود منذ حلول العصر فرمقت الطريق الموحش بنظرة ومثلت في خاطرها ابيات :
القرية الظلماء خاوية المعابر والدروب
تتجاوب الأصداء فيها مثل انغام الخريف
صمت الوجود وسكنت الاجواء ومات كل شيء إلا وميض البرق يأتي من بعيد وينذر بعواصف ورعود وأمطار مخيفة وصوت ماكينة الماء الخالدة التي لم تصمت ابدا وكانها تعد لحظات الزمن .. دخلت وأغلقت الأبواب جيدا والتفت وصغارها حول المدفئة ولم تغلق الستائر رغبة منها في التمتع في مشهد الأمطار والرعود والبروق وانتظارا لمراسيم احتفالهما المتواضع بميلاد المنقذ والذي سيقيمانه بعد الصلاة والعشاء
أما في مركز الناحية فقد كان سكان القرية قد أعدوا لاحتفال بهيج تلك الليلة فافسدت ذلك الأحوال الجوية واكتفوا باحتفال بسيط وكلمة قصيرة للسيد مهدي أمام المسجد وانشودة دينية لصبيان القرية قد بذل السيد مهدي جهدا ليحفظها الصبية . اختتم الحفل وغادر الناس سريعا لبيوتهم وركب السيد مهدي سيارته القديمة محاولا الإسراع في العودة لمنزله قبل اشتداد المطر .. انهمر المطر بشدة ولم تعد ماسحات السيارة تتحمل كميات الأمطار النازلة على الزجاج فانعدمت الرؤيا تماما وبات السيد يمشي بالظن والتنبوء في طريق طيني شعر انه طويل وكأنه الدهر . كان البرق يخطف بصره عندما يضيء الكون فيسير مسرعا على ضوئه حتى يأتي صوت الرعد الذي يكاد أن يخلع قلبه من بين جوانبه .. بقي على هذه الحال حتى ترنحت سيارته وانزلقت يمينا وشمالا ليفقد السيطرة على زمامها ولم توقفها كوابحها حتى استقر بها الحال وهي تصطدم بسدرة كبيرة ضخمة فحمد الله أن توقفت ونزل وترجل منها فوجد سترا من المطر تحتها وتلمست قدماه الأرض فوجدها يابسة صلبة لم تصل لها المياه فعلم أنه في السدرة المقابلة لمنزل الحاج طالب والذي بات يسمى ببيت ست خديجة .. نزع عمامته وفتحها وجعلها تنفلت على كتفيه ككوفية القرويين .. وظل ينظر للنافذة البعيدة بعض الشيء والتي يشع منها ضوءا خافتا كضوء فانوس أو شموع ينتظر أن تهدأ السماء قليلا عله يجد طريقا الى سقف يؤيه من قساوة الاجواء ..
أما خديجة وصغارها فكانوا قد شرعوا بحفلهما البسيط فاوقدوا الشموع ووضعوا كيكة صنعتها الام ومعها اكواب العصير وزينوا الآنية باغصان الياس والحناء والحلوى .. وما أن انتهوا حدثتهم خديجة عن الظهور وصاحبه وكيف سيحكم الأرض بالعدل ويقتص من الظالمين فبادرها حيدر كالعادة : وسيأتي معه بابا وسيعاقب من أحرقوا صورته التي علقها الشباب في مدخل القرية ؟؟ فتألمت خديجة وهي التي تحاول أن تنسى تلك الليلة التشرينية التي احرق فيها الاوباش صور الشهداء وصورة جعفر التي كانت تراها كل ما مرت على الطريق فتشعر بارتياح واطمئنان أن زوجها باق في ضمير الأمة لكنها فقدت ذلك الشعور بعدما تسيد الصبيان القرية وباتوا يرمقونها بنظرات مريبة حتى أن أحدهم قال لها عندما جاء مع مجموعة غريبة لإغلاق المدرسة بأنها زوجة الذيل .. فتألمت كثيرا لذلك
"'''''''
.. قامت وجلست على أريكة تاركة الصغار يعتلون أحد النوافذ المطلة على الطريق الطويل منتظرين قدوم المهدي المنقذ ومعه والدهم ..
https://telegram.me/buratha