عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
مازالت ذاكرتنا طرية تحتفظ بتلك التفاصيل المخيفة، المزعجة ، المفرحة ، في ان واحد !!، التي حملها يوم التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ، الذي مثل انفصالا تاما بين زمنين عراقيين ، في تلك اللحظات التي شاهدنا فيها ولأول مرة قوات المارينز ودبابات البرامز وطائرات الاباتشي تملأ الأرض والسماء ، وقد اختفت تماما كل اوهام القوة والبطولة ، التي كنا نتجرعها مرغمين ، في تلك اللحظات ، كانت الساعات تمر سريعة وهي محملة بسيل من التساؤلات ، الساخنة ، مارت بها عقول العراقيين ، تساؤلات تدور بين الحيرة وعدم التصديق بما يحدث ، بين الألم الناتج عن حجم الدمار ، واختفاء أي مظهر من مظاهر الدولة ، وبين الأمل بغد أفضل يقف خلف هذا اليوم منتظرا الحلول بعد زوال الدكتاتور ، وتساؤلات أخرى عن ماهية هذا الغد المنتظر ، هل نحن ازاء وهم ، أم انها الحقيقة التي آن لها ان تنكشف تحت الشمس ؟ ، هل جاءت هذه القوات الأجنبية ، لتحريرنا فعلا من براثن اعتى دكتاتورية يشهدها التاريخ ، (لسواد عوننا) أم لسواد نفطنا ؟.. هل سيشهد العراق تغييرا جذريا ويتحول إلى دولة ديمقراطية ، وينعم أهله بحياة كتلك التي صورتها لنا أفلام هوليود ؟! ، وإذا كان الأمر كذلك ، وان هؤلاء الأصدقاء انكسرت قلوبهم من اجلنا ، فجاءوا ، صادقين لتحريرنا مما نحن فيه، لماذا تأخروا كل هذا الزمن ؟ ، الم يعلموا ان صدّاما ، استحوذ على العراق منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ؟ ، لماذا لم يسقطوه عام ١٩٩١ ، عندما كان يترنح منهارا ، على وقع انتفاضة آذار في ذلك العام ، اثر غزو الكويت وتعرض الجيش العراقي إلى اكبر هزيمة منكرة في تاريخه ، منذ تأسيسه عام ١٩٢١ ؟ ، ألم تكن الطائرات الأمريكية ، تحاصر كل شيء في العراق ؟ ، أما كان بمقدورهم ان يساعدوا المنتفضين وتمكينهم من إنهاء نظام الحكم ، والتأسيس لنظام حكم جديد ؟ ، لماذا ، منحت واشنطن وحلفاءها في المنطقة ، صداما فرصة للقضاء على الانتفاضة بأبشع صورة يشهدها التاريخ ، فكان ما كان من مجازر ومقابر جماعية وجرائم بحق الإنسانية ، ليس لها نظير ؟! وكان هذا بعد ان سمحوا للنظام باستخدام الطائرات المقاتلة والمروحية والأسلحة الثقيلة ، في عمليات الإبادة تلك ، التي لم تكن الأولى ، فقد سبقتها عمليات الأنفال ، وغيرها ، التي لم تحرك الضمير الإنساني لأمريكا وحلفائها ، لكي يأتوا لإنهاء نظام دموي ؟ هل كان لاختيار عام ٢٠٠٣ موعدا لوضع نهاية لنظام صدام ، علاقة بتحالفات دولية ومصالح محورية ، و تقاسم جديد للنفوذ على مستوى المنطقة والعالم ؟ وهل كان هذا النظام ، سيستمر إلى اجل غير معلوم ، لو لم تتدخل الإرادة الدولية - الأمريكية ، لإنهائه ؟ ،
وإذ تواصل الأيام والسنون زحفها ، بثقل وتباطؤ تارة ، وبسرعة جنونية ، تارة أخرى ، ومن خلال متابعة ذلك الزحف ، فقد تبين فيما بعد ، ان بعضا من تساؤلاتنا تلك ذهبت مع أيامها ، فيما بقي بعض منها يقف على قارعة الطريق عله يجد الإجابة ، وبعضا الآخر ، حصل على مبتغاه ..
اليوم ، وبعد مرور ١٨ عاما على التغيير الدراماتيكي الذي شهده العراق عام ٢٠٠٣ ، أظهرت لنا الأحداث ، ان مجيء (قوات التحالف الدولي) إلى العراق ، قاطعة آلاف الكيلو مترات ، لم يكن لسواد العيون ، إنما لاهداف ومآرب وغايات أخرى ، بلحاظ ، ماشهده العراق من تداعيات كانت في منتهى الخطورة ، لعل واحدة من تلك التداعيات الاختلاف الحاد بشأن توصيف ما حدث يوم ٩ نيسان ، البعض وصفه بالتحرير ، وآخر ذهب نحو مفهوم الاحتلال ، اخرون ، قالوا ، سقوط النظام ، وفريق ، اعتمد مفهوم سقوط الدولة ، وفي هذا الخضم ، نجحت واشنطن من غرس بذرة الفرقة بين العراقيين ، عندما تمكنت من تكريس مفهوم المكون ، بعيدا عن مبدأ المواطنة ، فجاء دستور ٢٠٠٥ حاملا لتلك البذرة ، التي نمت وترعرعت في كنف ظروف مؤاتية جدا ، فكان ذلك الخطأ البنيوي القاتل ، الذي نخر جسد العملية السياسية وليدة مابعد عام ٢٠٠٣ ، التي تشرذم أربابها إلى ملل ونحل ، فبتنا نقرأ البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي ، والبيت المسيحي والبيت التركماني ، وغيرها من البيوت ، وتشظى كل بيت من تلك البيوت إلى ، اكتاف وأفخاذ ، وكل بيت منشغل بما لديه ، وكان من نتاج هذا التشظي ، تراكم الأخطاء ، وتراجع الاداء ، وسط تنامي الصراعات البينية ، داخل كل بيت من البيوت ، حتى اذا ماتراكمت التداعيات ، أصبحت المعالجة صعبة جدا ، على المستويين السياسي والإداري ،ليصل بنا الحال الى نهايات مسدودة ، لدرجة بات من الصعوبة تسمية رئيس لمجلس الوزراء ، ومن الصعوبة إقرار موازنة عامة للدولة ، ومن الصعوبة ، تحسين مستوى الخدمات ، وقائمة طويلة من الصعوبات التي تكتنف المشهد ، وبالتالي ، اصبح من الضروري جدا ، اعادة تقييم السنوات الثمانية عشر الماضية ، وما رافقها من اخطاء وتداعيات ، عسى ان يساعدنا هذا التقييم على رسم مسارات صحيحة وسليمة للواقع العراقي ، تحمل معها واقعا جديدا ، مختلفا ..
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha