إعـداد : محمد الجاسم ||
" تَعَلَّموا العربيَّةَ.. وعَلِّمُوها النـاسَ" ـ حديثٌ شريف
تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محـرَّفةٍ . وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ، ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين إلا لذوي التخصص، فأمست المقاصدُ ضائعة ، في خضمِّ الأغلاطِ الشائعة.
لذلك أعددت لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك من العام 1442ـ ثلاثين حلقة جديدة من سلسلة تصويباتٍ منتخبة، امتداداً لحلقات رمضان العام 1441، واستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره زمناً في صحيفة (المصور العربي) التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).
(33)
ـ كيف الحال؟.. أم.. كيف الحالة؟
الحالة: تكرر استخدامها، ومؤخراً ترد كثيراً في الموقف الوبائي لتسجيل عدد الإصابات و الشفاءات و الوَفَيات، فيقولون ـ حشواً زائداً لا نفعَ فيه ـ حالات الإصابة، حالات الشفاء، حالات الوفاة ،علماً أن عبارات(عدد الإصابات)،(عدد الشفاءات)، (عدد الوفيات) تؤدي المعنى كاملاً. وذهب بعض اللغويين الى أن (الحالة) هي (الحال)،وأتساءل أنا ،إذا كانت كذلك فلماذا تأتي (الحالة) بتاء مربوطة لتأنيث لفظ (الحال) الذي هو أصلاً مؤنث.. كقول الشاعر ابن الرومي:
" لَعمري لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ ... فيا ليتَ شِعري كيفَ حالتْ به بعدِي " !؟
غير أن (الحالة) في معجمات العربية تدل على الواحدة لا على العموم، فقد قال الجوهري: "الحَالَةُ وَاحِدَةُ حَالِ الإِنسان وأَحْوَالِه ".
أما في الإعراب، فيقال حالٌ منصوبةٌ، ولم يُقَلْ منصوبٌ. إن ورود (الحال) مذكراً ورد أيضاً في بعض المشاهد اللغوية والشواهد الشعرية، كما جاء في قول الشاعر بهاء الدين زهير:
" وحقكمُ ما غيرَ البعدُ عهدَكُمْ ... وإنْ حالَ حالٌ أوْ تغيرَ شانُ "
لكن الشواهد الشعرية التي وردت فيها (الحالُ) مونثةً، كثيرة جداً، مثل قول أبي الطيب المتنبي:
" عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ... بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ "
قد نقبل استخدام (الحالة) بوصفها تنبئ عن وصف وقتيّ، لكن (الحال) بالتأكيد تنبئ عن وصف دائم. لذا نسأل نحن عن حال المريض المتغيرة آنياً، (كيف حالته)، و يسوغ أيضاً السؤال (كيف حاله)،لكننا نسأل عن الوضع العام للبلاد مثلاً في ظل جائحة، فنقول ( كيف حال الناس في ظل الجائحة). أما ما دلّ على وصف الشّيء والتعبير عن مكنون بأمر ظاهر، فيقال له (لسان الحال)، وليس لسان الحالة.
وعوداً على تساؤلي أنا ، إذا كانت الحال هي الحالة، أو أنهما من جذر لغوي واحد، فلماذا تأتي (الحالة) بتاء مربوطة لتأنيث لفظ (الحال) الذي هو أصلاً مؤنث ..لذا أميل الى أن أقطع بأن الحالَ مونثةٌ ليس إلّا.
ورُبَّ قول ..أنفذُ مِنْ صَوْل..
https://telegram.me/buratha