المقالات

صناعة العنف اللغوي

1191 2021-04-19

 

د. حسين القاصد ||

 

يحتاج الانسان الى التواصل ، ولا تواصل دون توافق ذهني ، او توقع لقول او انتظار لمقولة ، او رغبة في البوح بما يعتري النفس من مشاعر وهواجس ؛ لذا ارتأيت أن أبدأ مقالي بهذا الاقتباس لطراد الكبيسي اذ يقول : ( لقد نزل الشعر ساحة المنازلة مرتديا بدلة القتال ، كما كتب البعض في معركة الفاو ، لكنه _ أي الشعر_ لم يتخل عن "بدلته الادبية" أي لم ينس انه " السلاح" المعنوي الثقافي الحضاري في معركة لها عمقها الحضاري والثقافي ) ان التأكيد على العمق الحضاري والثقافي هو نسق الايهام لترسيخ امتداد الماضي ، وهو محاولة لتأصيل تحبيب العنف ، ذلك العنف الذي تخلى عن معظمه الشاعر المدني الذي استقر قرب الحدائق والمدن وابتعد عن صحراوية المفردة القاسية .

 ان دخول الشاعر الى المعركة ببدلته الادبية ، كما يدعي المنظرون للقصيدة المقاتلة ، لن يكون سهلا من دون ارتباك الاستعارات وتشويه الدلالات ، واغتصاب اللغة .

ولعل من بين عسكرة اللغة واغتصابها وسلبها غاياتها النبيلة  واثارها على القصيدة العراقية هو ظهور عنوانات لمجاميع شعرية تشي بالرعب وتوصد باب التفاؤل ، وإلا في أي باب او أي نسق جمالي ، يمكنني أن اضع ديوانا اسمه ( انتظريني بثياب القتال ل محفوظ داود سلمان ، دار الشؤون الثقافية ، 1988 .)!!

أي خراب هذا ؟ أي اغتصاب للابتسامة ؟ كيف للحبيبة ان تنتظر حبيبها بثياب القتال ؟  ولعل من اشرس الاساءات للغة ان نسميها ( لغة النار الازلية ، ، اشرف على اعداده ماجد السامرائي ، مديرية الثقافة العامة :1973) وهو ديوان مخصص للاحتفال بتأميم النفط ، وبدلا من ان يكون الاسم تفاؤليا مبشرا بالخير والفرح والمكاسب المفترضة من هذا التأميم ، جاء معد الكتاب وجامع قصائد اللهيب والنار بتسمية لغة النار الأزلية ليجعلها صبغة لكل قصائد الديوان  ويخرج اللغة من جمالياتها الى الحرائق والخراب.

 لقد القى العنف الايدلوجي وعسكرة المجتمع بثقلهما على كل ماهو جمالي وابداعي ، فصارت المتضادات محببة للشعراء ، من مثل ( الفدائي والوحش ) لآمال الزهاوي عن دار العودة – بيروت ، ومثله ، أيضا، المشانق والسلام لعدنان الراوي ، منشورات دار الآداب ؛ ومما لاشك فيه أن هذا الكم الهائل من القنابل اللغوية التي تكاد ان تنفجر على المنصات او في صفحات الكتب ، كانت توزع بانتظام على المناهج الدراسية ، ليصبح لدينا شعب لايرغب اطفاله في أية العاب او دمى سوى الالعاب النارية.  هكذا تمت عسكرة المجتمع بعد استتباب عسكرة اللغة بالكامل وتجنيدها سلاحا للمعركة واخراجها من نسائم الحدائق والجمال  ، حيث استبدلنا الوردة بالرصاصة ، ونسيم الحدائق بدخان النار.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك