الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||
كثيرة هي المصطلحات التي تتداول بين الناس لا على سبيل الاختصاص والدقة, وقد لا يفرق العوام بين هذا المصطلح أو تلك فتتداخل الدلالات ولا يتميز بعضها عن الآخر إلا عند الخواص الذين يبادرون إلى تفسير المصطلحات على حسب المفاهيم التي تتضمنها وإن تقاربت؛ فليس كل تقارب بين المصطلحات يمكن أن يفسر على سبيل الترادف أو التشابه, ومن أبرز هذه المصطلحات التي تشابهت على الناس مصطلحي القيادة والادارة فأكثر الناس يتناولهما على أنهما لفظان لمفهوم واحد؛ بل يظن الناس أن المدير هو القائد والعكس بالعكس.
أن الكشف عن حقيقة المصطلحات وبيان الاختلاف بينهما ينتج وعياً ثقافيا يمكنه رسم معالم الادارة بروحية القائد, ويعالج مشكلة القيادة بروحية المدير, فالمدير يسعى إلى العمل بروح المركزية المقيتة القائم على مفاهيم الرئيس والمرؤوس, وبذلك يظن ان النجاة في إخفاء الكثير من لوازم العمل عن فريقه الذي يعيش التيه والبعد عن الواقع بعد أن أضله المدير الهارب من فراستهم إلى اشغالهم بما يمكن أن يبعدهم عن النضوج والابتكار فيفوتهم الوصول والابداع, وأما القائد فهو الذي يسعى أولا إلى تقسيم النجاح على الفريق, والتصدي لكل عمل بروح الفريق الواحد بعد ان يحدد وجهته ويكشف للجميع غايته ليساعدوه في الوصول إلى أعلى درجات الطموح.
إن العمل مع القائد يشعرك بالمتعة؛ لأنه يشعرك بالنجاح ويتحمل عنك الفشل, وأما المدير فيسعى دوما إلى عدم تحمل المسؤولية؛ لذلك تجده يمارس العمل على وفق لوائح منتظمة يرغب بفرضها على الفريق ولا يستشيرهم في تشكيل الخطوات أو تأليفها, بل يحاول فرضها بحسب رؤيته الشخصية, فلا يتحمل تفوق غيره عليه, ولا يمكنه تصور المشاركة بين أعضاء الفريق ليكتمل النجاح, فتجد القرارات الفردية غالبة عند المدراء, وأما الاستشارات فنادرة؛ لأنه يتصور أن النجاح في التسلط الاداري, أو الافراط في الحزم هروبا من النقص الذي يعيشه فيفوته النجاح الذي يطلبه.
ومن المناسب أن نعلم أن القائد يتمتع بقدرات تؤهله لكشف الفروق الفردية بين أعضاء الفريق, فيمكنه أن يستفيد من الطاقات المختلفة في الجوانب المتعددة, ويتغلب عادة على الصعاب في الاوضاع المختلفة؛ لأنه يعمل بثقافة التفكير الابداعي, ويتصف بذلك بالإدارة الحكيمة, وبذلك يمكن القول أن كل قائد يمكن أن يكون مديراً, وليس كل مدير يصلح أن يكون قائداً, وهذا يفسر لنا الابعاد التنموية في القرآن الكريم, إذ أكد القرآن على أن الله تعالى كان يختار قادة لعباده في كل مسؤولية, فسيرة الانبياء والاوصياء كشفت قدراتهم القيادية في الادارة الحكيمة البعيدة عن الضيق الفكري والمنفتح لاستقبال صنوف الابتلاءات والاوضاع المختلفة, فكانت حاجات الناس إليهم واضحة وغناهم عن الناس ثابتة إلا إنهم آمنوا باشراك الناس في المشورة والعمل إيمانا منهم بضرورة العمل بروح الفريق الواحد فنجحوا في التخطيط والتنظيم والتوجيه, منطلقين بالحزم واللين في تطوير القابليات الفردية والجماعية حتى أيقن الناس حاجتهم إليهم, وضرورتهم في كل نجاح, وهذه الضرورة تعزز الثقافة القائمة على الفرق بين منهج المدير ومنهج القائد في التدبير.
https://telegram.me/buratha