المقالات

كيف أشطبُ يوما من ذاكرتي؟!

1228 2021-05-06

 

د.أمل الأسدي ||

 

سؤالٌ يلحُّ عليّ الآن،كيف أتخلص من أثر يوم سلبيٍّ؟ كيف أعمل (delete) لهذا اليوم؟ وكيف أعمل(Removal) للأشخاص الذين آذوني؟ وكيف أعمل (Restore settings) فأستعيد سيرتي الأولی وأتخلص من  الطاقة  السلبية التي تستولي عليّ؟ 

فإن الإنسان كائن عجيب، متی ما يكون في منتهی القوة، يكون في منتهی الضعف،شديد التأثر  بما حوله،ولاسيما المرأة،فهي مخلوق شفاف رقيق،وخاصة إذا كانت تربيتها تربيةً إسلامية إنسانية،فلا يبدر منها ما يسيء  الی الآخرين،ولايصدر منها ما يجرحهم،ولا تطلق كلمةً إلا وحسبت لها حسابا، وفكّرت في متلقيها وفي وقعها عليه!!

حين  نتعرض لموقف جارح من شخص ما،نبقی تحت تأثيره السلبي لمدة وجيزة ويزول أثره،لكننا إذا تعرضنا لموقف من عزيز، وله منزلة عندنا،حينها يكون الأمر ثقيلا جدا، يكون كالموت لمرات عديدة، تُحاصَرُ الروح ،وتصعدُ وتصلُ الی النهاية ثم تهبط الی قاع الحقيقية من جديد،الحقيقة الباردة الصلدة!!

فلا نجد سوی الدموع الفيّاضة المؤلمة وسيلةً للتخفيف عن  همنا الثقيل!!

بقيت أسأل ولا أخفيكم قد كتبت لصديق متخصص أسأله عن آليةٍ للتخلص من هذه المشاعر،فلم أجد ضالتي!!

فقلت: لايؤلم الجرح إلا من به ألم

لأعود الی رفيقي الدائم الذي يخفف عني كل منغصات الحياة،  أعود إلی الجناحين اللذين يعيناني دوما وهما(القرآن الكريم،ومحمد وآل محمد) فسألتهما بمرارة :

🔴  كيف أشطبُ يوما من ذاكرتي؟

فأجابني القرآن الكريم:((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) سورة الحديد،الآية 20

ورغم هذه الحقيقة الناصعة للدنيا التي بيّنها النص،لكني مازلتُ مغتاظة وحزينة، فسألت القرآن الكريم مرة ثانية:

🔴   كيف أعمل (delete) لهذا اليوم فأتحرر منه؟

فأجابني:( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ۩وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)) سورة الطور،الآيتان:٤٨- ٤٩

إذن قدم لي القرآن الكريمُ طرق معالجةٍ تطبيقية:

ـ أن أحثَّ نفسي علی الصبر والتروي

ـ أن أفرح؛ لأني بعين الله تعالی ورعايته،فقد قال الله:بأعيننا،بصيغة الجمع الفخمة،إذن أنا في منزلة الرعاية الإلهية،والمحبة الإلهية.

ـ أن ألجأ الی التسبيح (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)

ـ  حين يشتد وجع الذاكرة ويعلو أنينها ليلا، أن ألجأ الی الصلاة،فإدبار النجوم: ركعتان قبل صلاة الفجر كما روي ذلك عن الرسول الأعظم، إذن لابد أن أداوي جرحي بهذه الوسائل التي تمتص الطاقة السلبية وتفرِّغ شحناتها،فأتخلص منها وتحلّ محلها طاقة إيجابية،فالدعاء من شأنه أن يخلق حالا روحية خاصة،فبمجرد أن ندعو ونشكو ونبث همومنا الی الله تعالی،نشعر بالرضا والاستقرار النفسي والارتياح.

ثم عدت الی القرآن الكريم وسألته مرة أخری:

🔴    كيف أعمل (Removal) للأشخاص الذين آذوني أو صدموني؟

فيجيبني القرآن الكريم بقوله:((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)) سورة الكهف الآية :٦

وهنا يحث الله تعالی رسوله الكريم(صلی الله عليه وآله) أن لا يقتل نفسه هما وحزنا علی من لايؤمن به، وهذه قاعدة يُفترض بنا أن نتبعها فالذي لايقدِّر وجودنا في حياته،ولايثمِّن دورنا،لايستحق أن نهلك أنفسنا في التفكير به أو الحزن عليه.

وكذلك  قال تعالی:((وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ)) سورة النحل،الآية ١٢٧

وفي هذا النص أمور عديدة منها: إن الصبر والسلوان سيكون بمعونة الله جلّ وعلا وبتوفيقه،إذن بمجرد أن تستدعي الصبر سيرافقك المدد الإلهي الداعم.

وأيضا في هذا النص نهي عن  الحزن علی من لايستحق ،فلابد أن نخلق الصلابة خلقا ونستند عليها،فلا نحزن علی من يؤذينا،ويفرِّط في وجودنا،ولايضيق صدرنا بالتفكير في مكره من عدمه،ويمكننا ملاحظة (لاتكُ) فقد تناسب حذف النون مع التنبيه الی ضآلة حجم من آذانا، فلا ينبغي لنا أن نعطي من لايستحق حجما أكبر من حجمه!!

  وواصلت رحلة الأسئلة مع الرفيق الكريم  فسألته:

🔴   وكيف أعمل (Restore settings) فأستعيد سيرتي الأولی وأتخلص من  الطاقة  السلبية التي تستولي عليّ؟

فأجابني فورا بقوله:((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) سورة هود،الآية :١٢

وهنا يواسي القرآن الكريم الرسول الأعظم ويحثه علی عدم الاكتراث بكل مُحبِطٍ مثبِّط وعدم الحزن عليه،فلا ينبغي الاهتمام بهذه الأصوات؛لأن الله تعالی هو الوكيل،وهو المتكفِّل بالأمور كلها،وعلينا تجاهلها تماما.فالتجاهل هو الترياق المجرب في مثل هذه الحالات.

🔴 واستمر القرآن الكريم في تتمة إجابته قائلا:((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) سورة التوبة، الآية:١٠٥

فيجب أن نضع أمام أعيننا حقيقةً شاخصة ألا وهي : إن أي عملٍ منظور إليه من الله ورسوله والمؤمنين،فهم الشاهد وهم المتلقي الأول،المتلقي العادل الرحيم،الذي لايبخس الناس حقوقهم!! فلا قيمة لمن يجحد أو يسيء أو يُحبِط،مادام الشاهد هو الله تعالی

🔴 ثم أردف الكريم قائلا:((وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَمَنْقُوصٍ))سورة هود،الآية ١٠٩

إذن هناك سجلات حسابية دقيقة،لايضيع فيها شيء،ولايخفی  علی المولی شيء،صغيرا كان أم كبيرا!!

وعليه يجب أن نستمر ، وأن لا نتوقف عند أي عقبةٍ؛لأن العمل بعين الله ولله ومن الله،فلا نحزن إن ضاع مجهودنا في الدنيا،فهناك من يحفظه ويجازينا عليه!!

فنحن نعمل مع الله أولا:((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) سورة النحل،الآية:97

إذن الجزاء مكفول ومتحقق ولايمكن ضياعه بأية حال من الأحوال،والمعادلة بيّنة وواضحة

العمل+ صالح+الإيمان = الحياة  الطيبة+الجزاء+الأجر+ بأحسن ماكانوا يعملون

فهذان طرفان قائمان لايتغيران مهما مكر الماكرون ،ومهما دلّس الآخرون،ومهما أقصی بعضهم وهمّش،بقصد أو بغير قصد!!

🔴  واستمر الكتاب الكريم في التبيان ووضع الحلول فقال:(( إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً )) سورة مريم،الآية 96

صحيح أن هذه الآية تخص أمير المؤمنين  الإمام علي (عليه السلام) إلاّ أنها تنسحب كمفهوم يثبِّت معادلةً ألا وهي:

الإيمان مع العمل الصالح= محبة الناس وودهم بإذن الرحمن(الله تعالی)

إذن فلنشطب علی من لم يثمِّن وجودنا،ولنقرر الاستمرار، ولنستفد من الأخطاء، ولنواصل دون الالتفات الی المطبات،فالأجر مكفول،والجزاء متحقق، والمودة قائمة ومتجددة.

🔴  ثم لجأت الی الإمام علي (عليه السلام) فسألته الأسئلة نفسها،فأرشدني الدليل وأجابني بما قاله الأمير:

((الثقة باللَّه أقوى أمل))

((الاتّكال على اللَّه أروح))

(( منْ وثق باللَّه أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الأمور))

((أَعْدَلُ السِّيرَةِ أَنْ تُعَامِلَ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ بِه))

وكذلك  ماقاله الإمام الحسن بن علي (عليه السلام):

((الْوَحْشَةُ مِنَ النَّاسِ عَلَى مِقْدَارِ الْفِطْنَةِ  بِهِمْ‏))

إذن هناك موازنة، علينا أن نتعظ ونتعلم،ولكن لانتوقف،ولانعزف،فالحق يعلو ولايعلی عليه،فلا ينبغي لنا أن نرهن تجربتنا في الحياة  علی يوم واحد!! مهما كانت قسوته!!

ولعلني أجد أفضل بيت للاستشهاد به هنا هو بيت المتنبي:

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ

إذن فليرحل من يرحل، فالخسران نصيبهم،والفوز نصيب المخلصين،والخيارات كثيرة في الحياة،تسقط ورقةٌ قريبةٌ،فيعوِّضنا الله عنها بعشر أوراق بعيدة!!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك