حمزة مصطفى ||
ربما يكون منظور المتنبي فرديا للعيد حين خاطبه قائلا "عيد بأي حال عدت ياعيد .. بمامضى أم لأمر فيك تجديد". فالبيت الذي يلي بيت الشكوى والتذمر يفصح عن مكنون حال الشاعر "أما الأحبة فالبيداء دونهم .. فليت دونك بيدا دونها بيد". المسألة تبدو مجرد شأن شخصي أو ظرف كان يعيشه شاعرنا آنذاك الذي صادر العيد, عيد الناس, عيد كل المسلمين بشخصه وغرضه. فلأن "أحباب الشاعر" بينهم وبينه صحراء حيث لا طائرات تختزل المسافات الهائلة بساعة أو ساعتين ولا سيارات يمكن أن تختزلها ببضع ساعات ولا هواتف نقالة تعولم الزمان والمكان, لهذا السبب فإن المتنبي ومنذ ألف سنة ونيف يجبرنا أن لانحتفل بالعيد حين لايريد وأن نعيد حين يعيد من يحب هو.
اليس المتنبي نفسه لديه بيت آخر يتغزل بصاحب العيد بوصفه هو العيد. الم يقل "هنيئا لك العيد الذي أنت عيده .. وعيد لمن سمىّ وضحىّ وعيدّا". ماهذه الأنانية المفرطة يا أبا محسد "إحنه هم أخوتك". يبتعد أحبابك تلوم العيد الذي أتى بدونهم لأن بينك وبينهم بيداء تحول دون اللقاء بهم. أما إذا كان الأحباب قريبين منك تملأ الدنيا وتشغل الناس بمشاعر الفرح والسرور بحيث كل شئ يصبح عيدا لمن سمى وضحى وعيدا.
السؤال الذي يبقى مطروحا بموازاة شكوى المتنبي من العيد مرة وسروره به مرة أخرى هو .. لماذا نرهن حزننا نحن العرب بحزن المتنبي وفرحنا بفرحه؟ ربما هناك من يقول أن المتنبي بالنسبة لنا مثل شكسبير بالنسبة للأنكليز وبوشكين بالنسبة للروس وحافظ الشيرازي بالنسبة للفرس وناظم حكمت بالنسبة للاتراك وطاغور بالنسبة للهنود " لا أعرف إن كان بعد السلالة المتحورة من يتذكر طاغور بين الهنود"؟.
ربما يكون المتنبي كذلك لكن الى حدود معينة في تقديري الشخصي على الأقل. فشعر المتنبي على كل مايحتويه من فخامة في اللغة والأسلوب والصور والمعاني والدلالات يبقى الى حد بعيد شعرا محكوما بذاته المتمردة. فالمتنبي بعكس من ذكرت من شعراء يريد من العرب أن يكونوا على مثاله هو. يحب يحبون, يكره يكرهون. يصادق يصادقون, يزعل يزعلون, يمرض يمرضون "وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور الإ في الظلام". هذه القصيدة صممها المتنبي لكي نشعر بها جميعا "نصخن مثله, نصاب بالنحول مثله, تنقطع لدينا شهية الطعام, نتغطى في عز الصيف مثله". يكاد كل شعر المتنبي يدور في فلك ذاته المتضخمة جدا " إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم". الأدهى من ذلك أن شاعرنا العظيم كان أنانيا حتى مع الحيوانات التي كان يستخدمها لخدمته الناقة والخيل. فحين لم تعجبه ناقته تساءل "شيم الليالي أن تشكك ناقتي .. صدري بها أفضى أم البيداء". يريد من الناقة أن تضبط ساعتها البيولوجية على زمنه الخاص. وحين دخل شعب بوان رفض تمرد حصانه عليه لأنه يريد للحصان أن يكون على هواه "يقول بشعب بوان حصاني .. أعن هذا يساق الى الطعان
أبوكم آدم سن المعاصي .. وعلمكم مفارقة الجنان". ألم يحن الوقت أن نتمرد نحن العرب على المتنبي؟ ربمايصعب ذلك لأننا نحن وهو رهائن مجموعة إشكاليات واقعية ونفسية تجعلنا لانعرف إن كنا نفرح بالعيد أم نحزن؟
https://telegram.me/buratha