🖋️ الشيخ محمد الربيعي ||
ان سيادة الدولة : صفة تنفرد بها السلطة السياسية في نشاطها الداخلي بحيث تكون آمرة على الأفراد و الجماعات ، و الخارجي بحيث تدير علائقها الخارجية دون خضوع لإرادة دولة أخرى ، و إن التزمت المواثيق الدولية فبالتزامها . و هذا ظاهر ، فلكل دولة حرية في ممارسة سلطاتها و علاقاتها .
و أمَّا السيادة في الدولة و التي اول من استخدم مصطلح السيادة هذه في الفكر السياسي الأجنبي المعاصر ، هو المفكّر الفرنسي جان بودان ، فقد ألف كتاباً بعنوان : (ستة كتب عن الجمهورية) نشره عام ( 1576م ) ، عرّف فيه السيادة بأنَّها : سلطة عليا على المواطنين و الرعايا لا يحدّها القانون .
وفي توضيحه لمعنى السيادة ، فرّق بودان بين السيد (صاحب السيادة) و بين الحاكم ، فالسيد أو صاحب السيادة ، هو من كانت سلطته دائمة . أمَّا الحاكم فسلطته مؤقتة ، و لذلك فلا يمكن وصفه بأنَّه صاحب السيادة ، و إنَّما هو مجرد أمين عليها .
و من خصائص السيادة لديه : أنَّها مطلقة ، لا تخضع للقانون .
و أنَّها تُمكِّن سلطة التقنين من وضع القوانين ، دون موافقة الرعايا .
و من خصائصها : أنَّه لا يمكن أن يفرض عليها أيّ إرادة من قبل إرادة أخرى .
و تحدث الاخرون عن حقيقة معنى السيادة فيما عرفوها بأنها القانون الأعلى و سيادة القاعدة القانونية الأعلى .
حيث بيّنوا أنَّها سلطة حاكمة للسلطات .
و قد أفاد الاخر ، إلى أنَّ السيادة هي : السلطة العليا التي لا نعرف فيما تنظّم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها .
و ممن بيّن مفهوم السيادة ( هوبز ) ، إذ وضح أنَّها : سلطة عليا متميزة و سامية ، ليست في القمة بل فوق القمة ، فوق كل الشعب و تحكم من مكانها ذاك المجتمع السياسي كلّه ، و لهذا السبب فإنَّ هذه السلطة تكون مطلقة ، و بالتالي غير محدودة لا في مداها و لا في مدتها ، و بدون مسؤولية أمام أي إنسان على الأرض .
و بعد عدة متعرضين لتعريف و المفهوم ، شاع هذا المصطلح في الفكر الديمقراطي بعد كتاب (العقد الاجتماعي ) ، للفيلسوف الفرنسي ( جان جاك رسو) ، حين شارك في استكمال النظرية وفق فلسفته ، فطبق معنى السيادة الوضعي من خلال نظريتي : سيادة الأمّة ، و سيادة الشعب .
و الذي يهمنا هنا ، هو معنى السيادة و حقيقته المؤثرة في الحكم المتعلق بديننا و نظامنا الإسلامي ، لا بغيره . إذْ هو المعيار و الحكم على غيره لا العكس ؛ لأنَّ الشرعي حين يُبيِّن حكم مصطلح ما ، من المصطلحات المحدثة أو الوافدة ، فإنَّه يبحث عن معنى المصطلح و حقيقته ، سواء وجد في الواقع أو لم يوجد ، و هو لا يرهن الحكم باللفظ و النشأة على حساب المعنى ، و لا برؤية من حاول تطبيقه وفق فلسفته .
و بعبارة أخرى : أن يفرق بين البحث في نشأة المصطلح بوصفه مصطلحا بلفظه و معناه ، فهنا في الأمر سعة . و بين البحث في حقيقة المصطلح و معناه بغض النظر عن لفظه و نشأته و تاريخه ، و هنا لابد من بيان الحكم الشرعي فيه .
و عليه فخلاصة القول هنا :
أنَّ السيادة في نظرية الدولة ونظام الحكم ، تعني في أصل فكرتها : السلطة العليا المطلقة التي تقيٍّد سلطة الأمّة ، و سلطة الحكومة بسلطاتها ، و من ثمّ تقيد تبعاً لذلك القواعد القانونية التي يتشكل منها الدستور ، و الذي تقوم بوضعه سلطة عليا تمثل المجتمع .
و بناء على هذا البيان لحقيقة السيادة الذي خلاصته و جود سلطة عليا مطلقة لا تحكمها سلطة أخرى لا بجانبها و لا أعلى منها ، فإنَّنا نستطيع أن نقول بكل ثقة و وضوح : تلك حقيقة لا توجد في غير نظام الإسلام ، و هي ظاهرة في نظام الحكم الإسلامي على وجه الخصوص ، فإنَّه محكوم باتفاق المسلمين بسلطة عليا مطلقة حقا ، تتمثل في : كتاب الله تعالى و سنة رسوله و اله ، حيث ان الممثل لتلك السلطة و الحكم المطلق هو الرسول الخاتم محمد الأكرم ( ص ) واهل بيته الكرام ( ع ) .
و يمكن بيان ذلك من خلال النقاط التالية :
الأولى : أنَّ السيادة و نظريات السيادة ، لم تستطع تقديم أساسٍ قانونيٍ أعلى للسلطة ، سواء كان ذلك في الفكرة الأولى للسيادة ، أو بعد انتقالها إلى الأمَّة أو الشعب ؛ و هذا ما دفع بعض كبار أساتذة القانون الفرنسيين (دوجي) إلى أن يقرِّر أنَّ فكرة السيادة بمفهومها الحقيقي ، غير قابلة لأي حلّ بشري ! لأنَّه لا يمكن لأحدٍ أن يُفسِّر من الناحية الإنسانية ( أن إرادة إنسانية يمكن أن تسمو أو تعلو على إرادة إنسانية أخرى ) .
و لهذا يقرّر أستاذ آخر هو (لا فاريير) أنَّه : إذا كانت النية تتجه إلى تقديم السيادة على أنَّها حق في الأمر ، فإنَّه لا يوجد سوى نظرية واحدة منطقية و مقبولة ، و هي : النظرية الدينية ، تلك التي تُقرِّر أنَّ السلطة السياسية ترجع في مصدرها إلى الله ، و في هذه الحالة إذا ما وجد في السيادة عنصر إلهي ، فإنَّ الإرادات البشرية سوف تخضع لقرارات صاحب السيادة ، لأنَّ هذه السيادة سوف تكون إعلاناً عن سلطة تعلو سلطة البشر .
الثانية : أنَّ سلطة السيادة مطلقة ، و هذا يعني أنَّه لا يصح أن ترد عليها قيود ، لأنَّ و رود القيود عليها يخالف جوهر النظرية ، و لا تتفق مع طبيعتها ، و لهذا السبب و جدنا أحد كبار المفكرين (جورج سل) يقرر بحق أنّ نظرية السيادة غير مفهومة في ظل شخصية الدولة القانونية التي تحيا في ظل نظام قانوني ، لأنَّ السيادة تعني قدرة العمل الإرادي المطلق في حين أنَّ الدولة كشخصية قانونية تعني قدرة العمل الإرادي المحدّد وفق النظام القانوني، و يرى ( سل ) ،أنَّ فكرة السيادة تؤدي إلى هدم فكرة الدولة القانونية و مبدأ سيادة القانون .
أمَّا طبقاً للنظرية الإسلامية ، فإنَّ السلطة مقيدة بأحكام القرآن و السنة ، و التي تُشكِّل نوعاً سامياً من القانون الدستوري الذي يعلو على القانون الدستوري الوضعي ؛ لأنَّ الأمَّة كلّها لو اجتمعت لا تملك أن تغيّر أو تعدّل فيه .
و بذلك كانت دولة الإسلام أول دولة قانونية في التاريخ ، يَخضع فيها الحكّام للقانون و يمارسون سلطانهم و فقاً لقواعد عليا تُقيدهم و لا يستطيعون الخروج عليها .
الثالثة : من حيث ضمانات تقييد السلطة بالسيادة ، فإنَّ نظرية السيادة حسب مفهومها الأصلي الصحيح ، تأبى أي تقييد للسلطة ، و لا تعرفه ، وأنَّ السلطة فيها مطلقة من أيّ قيود ، لذلك فإنَّه يكون من المنطقي أن لا تعرف هذه النظرية فكرة الضمانات اللازمة لتقييد السلطة ، و بالتالي فلا يمكن القول بوجود أيّة ضمانات لهذا التقييد .
أمَّا بالنسبة للنظرية الإسلامية ، فإنَّ الوضع مختلف ، ذلك أنَّ رسالة الإسلام لم تكتف بوضع نظام الحكم المقيد ، و إنَّما عنيت أيضاً بوضع ضمانات لهذا التقييد ... و ان المطلع على النظرية الإسلامية يجد ان الضمانات على نوعين طبعا ان فصلنا عنها الاساس الاول و هو صمام الامان الاكبر ، و هو مدخلية الامام في السلطة و الحكم و ان نظام الحكم كان الاولى يسوده نظام قادة العصمة ذات النزاهة الذاتية و الموضوعية ، و انما الكلام لان على الضمانات في غياب حكم و سلطة الامام المعصوم و ما هو سائد في المجتمعات الاسلامية العامة ، محل الشاهد :
يتمثل أولهما في الشورى ، و ما تمثله من ضرورة رجوع الحكّام إلى الأمَّة في الأمور الهامّة.
و يتمثل الثاني في رقابة الأمّة نفسها على تصرفات الحكّام ، و حقّها في عزلهم إن صدر منهم ما يُبرِّر ذلك .
و من له معرفة بالنظام الإسلامي ، لن يجد معاناة في تحديد حقيقة السيادة العليا في النظام الإسلامي كلِّه بما فيه النظام السياسي .
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
https://telegram.me/buratha