د. جهاد العكيلي *||
اثبتت الحكومة البريطانية وعبر تاريخها الطويل في سياستها الخارجية، بأنها الاكثر دراية وحنكة لقراءة الأحداث والتعامل معها في ادارة الازمات الدولية، وأنها لم تسجل تراجعا في مواقفها ازاء مجمل القضايا المتعلقة بخارطتها السياسية المرسومة في معظم دول العالم ، وخصوصا اذا ما صممت وبدقة لأهدافها الجيوسياسية في الشرق الاوسط، فهي التي تصنع الأحداث وتحدد فيها ادوارا عديدة بما يتلاءم ومصالحها او نفوذها السياسي بشكل هادئ لا يثير الريب في مواقفها هذه ..
وهذا الاسلوب درجت عليه الحكومة البريطانية في بناء سمعتها السياسية والدبلوماسية ، وما ذلك الا نتاج لخبراتها المتراكمة وامتلاكها المعلومات الكافية لتاريخ وأنماط السلوك الجمعي في شؤون السياسة وتاريخ شعوب دول المنطقة ، وهذا ما سهل لها لان تمسك عصاها من خلف ظهرها وتوجهها حيثما ما تريد لتحريك المواقف والاتجاهات ازاء ما يخدم سياستها المرسومة في الشرق الاوسط ..
وحين كتب جاك سترو وزير خارجية بريطانيا الاسبق كتابه الموسوم (المهمة الإنكليزية) English job)) أشار فيه إن بريطانيا قاومت ضغوطا كبيرة من جانب الادارة الامريكية للانضمام اليها في إعادة العقوبات الاقتصادية على إيران عام ٢٠١٨ ، ويأتي هذا بخلاف تصورات الحكومة البريطانية في تعاملها مع الملف الإيراني المبني على عوامل داخلية تخص الشأن السياسي المتمثل بين قوى السلطة في ايران ..
ويشير جاك سترو في كتابه ان حكومة الرئيس الأمريكي السابق ترامب عقدت المشهد السياسي بين إيران والغرب مما ساعد على خلق هوة واسعة في السياسة عبر الأطلسي وذلك بسبب الأسلوب الذي اتبعه ترامب بصوته العالي واستخدامه العصا القصيرة، ويعد هذا خلافا لما اتبعه أسلافه من السياسيين الذين يتحدثون بلطف غير انهم يستخدمون العصا الغليظة .. ويقول جاك سترو ان المباحثات النووية بين الغرب وايران بدأت في العام ٢٠٠٣ واستغرقت ١٢ عاما ، وفي هذه المدة ارتفع عدد اجهزة الطرد المركزي لدى ايران من ٢٠٠ جهاز الى ١٩ ألف ، وهذا ما عقد المشهد السياسي في عملية التفاوض النووي ، وفي الوقت نفسه ان القيادة الايرانية تعاني من حالة عدم الشعور بالأمان شخصيا ومؤسساتيا من الدور الامريكي في العملية التفاوضية ..
ويؤكد جاك سترو في كتابه ان مستقبل ايران غير واضح ، ولكنه كان متأكدا من شيء واحد الا وهو ان ما يحصل في ايران من تحرك داخلي سيكون الجزء كبير منه متأثرا بكيفية تعامل العالم الخارجي مع ايران ، وهي نظرة بريطانية بحتة في تفكيك قوى الدولة وكسب الاغلبية لمصالحها وفقا لمعادلة سياسية بين القوي التي يراهن عليها الغرب وفق مبدء كلما زادت اشارة الاصلاحيين للمنافع التي يمكن ان تجنيها ايران من التعاون مع المجتمع الدولي فسيكونوا أكثر قوة وستتراجع قدرة المحافظين على اقناع من يتبعهم ..
وبهذا المفهوم يتم ضرب الحزام الناسف الذي طوق الغرب به إيران لتغير تركيبة النظام السياسي بالرغم من ان ايران قاومت وبشدة كافة الضغوطات ومنها مواقف ترامب، وتمكنت إلى حد ما تحيد الموقف الامريكي المتشدد ازاءها في المحور الغربي لدفع المفاوضات إلى مرونة اكثر لصالح إيران ..
/ *كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha