د. جواد الهنداوي ||
يكفي دليلاً على انتصار غزّة هو تلقي اسرائيل وتل ابيب هجمات صاروخية دون قدرة و جرأة لاسرائيل ان تخطو خطوة واحدة برّاً تجاه قطاع محاصر !
أُذلِتْ اسرائيل بقصفها شمالاً وجنوباً و عاصمةً ، لا ليوم واحد او ليوميّن ، ولا لمئة او لمئتيّن صاروخ ، دون أن ترّدْ براً ، ودون أن تُسكِتْ مصادر النار ، و رضخت للامر ، وكأنه حُسباناً نزلَ عليها من السماء ، وليس من قطاع محاصر !
انتصرّت غزّة لانها أصبحت الآن نّداً لاسرائيل ، لا في حجم الدمار و الجرائم ، وانما في القدرة والجرأة على الرّدْ و الردع . اصبحت غزّة لاسرائيل ندّاً في التفاوض وفي الاتفاق على وقف اطلاق النار ، دون شروط و دون املاءات و دون اذعان !
لم تستطعْ اسرائيل تحقيق ايَّ انجاز عسكري ، حاولت وجهدتْ واستخدمت صواريخها الذكية للنيل من المقاوم والقائد الغزاوي " محمد الضيف " ولم تفلحْ .
خسرت اسرائيل كثيراً في هذه المنازلة ؛ سياسياً و معنوياً و اخلاقياً و اقتصادياً ، ويكفي لمعرفة خسائر اسرائيل قراءة ما نشرته جريدة هارتس الاسرائلية بعددها الصادر لهذا اليوم ، وستظهر في الايام المُقبلة حقائق اخرى .
اعتادتْ اسرائيل ان تتفاوض وتتفق على وقف اطلاق النار ، وتملي شروط على دول وعلى حكومات ، ولكنها اليوم تتفاوض وتتفق ، دون شروط ، مع حركة في قطاع محاصر ، تصنفّها اسرائيل و امريكا و اصدقاءهم بالارهاب !
ندركُ ، الآن ، لماذا يستقتلُ ثالوث الامبريالية و الصهيونية و الرجعية على محاربة حزب الله و حماس و الحشد الشعبي ، و وصفهما بالارهاب ، والسعي لتشويه صورتهم وتصفيتهم . لانهّم هم وليس غيرهم افشلوا مخططات الثالوث و دحروا الرهاب وانتصروا على اسرائيل ، و حافظوا على سيادة شعوبهم و حرروا اوطانهم .
بعد اليوم ، لنْ تتردد فصائل المقاومة بالرّد على اي اعتداء اسرائيلي . تواجه اسرائيل اليوم ليس فقط قوة ردع واحدة ، ومصدرها حزب الله ، وانما قوة ردع اخرى من فصائل المقاومة الفلسطينية . تُحيط اسرائيل اليوم قوى ردع و حزام ناري على الارض و تحت الارض . بعد اليوم ، لن يتردد الحشد الشعبي في العراق بالرّدْ ايضا إنْ تعرّض سلاحه و مخازنه و رجاله الى اعتداء جوي اسرائيلي ، وكذلك سيكون شأنْ الحوثيين او اليمن !
انتصار غزّة وضعَ نهاية لمسار عربي رسمي فاشل تجاه اسرائيل ، وبدايته كانت في سبعينيات القرن الماضي ،حين ابتدأ العرب بالتنازل عن اللاءات الثلاث، التي اقرّوها في مؤتمر الخرطوم عام ١٩٦٧ ( لا سلام ولا اعتراف و لا تفاوض مع اسرائيل ) .
انتصار غزّة رسّخَ التحدّي الوجودي الكبير الذي تواجهه اسرائيل اليوم ، تحدي المقاومة و الشعوب ، و الذي يُبدّدُ ما تجنيه اسرائيل من تواطئ و تعاون النظام العربي الرسمي نحوها بالتطبيع و بالتعاون و بالدعم .
انتصار غزّة جعلَ اسرائيل تدرك انها تحتظرُ رويداً رويداً وسط جغرافية و بيئة داخلية و خارجية ، دخيلة عليها و رافضة لها .فبدلاً من أنْ تفكّر و تسعّى اسرائيل لفرض هيمنتها ، ستصب اهتمامها على التفكير بأمنها و بوجودها .
ياتي انتصار غزّة في وقت و الادارة الامريكية ليس في خدمة اسرائيل ،كما كان حالها ،في عهد الرئيس السابق ،ترامب ، و انما في خضّم التنافس و الخلاف الاقتصادي و السياسي مع كلُ من الصين و روسيا و ايران .
انتصار غزّة سيجعل اسرائيل تفكّر اكثر من مرّة ، قبل اقدامها على ايّ اعتداء على لبنان او ضّدْ حزب الله ، او شّنَ حرباً على ايران .
انتصار غزّة قوّضَ الركيزة الاساسية لوجود اسرائيل ،الا وهي قوتها العسكرية ، هذه القوة لم تعدْ رادعة لمن لا يتردد في التضحية من اجل وطنه و كرامته . ليس لاسرائيل شرعية ، و مرفوضة في محيطها ومن داخلها ، وجود اسرائيل قائم على قدراتها العسكرية و بطشها ، وهذه ادوات وسلوكية لم تعُدْ تُخيف رجال المقاومة .