🖋️ محمد هاشم الحجامي ||
جرى العرف أن الانقلابات تحصل حينما يقود مجموعة من الضباط الطامحين بالسلطة دبابتهم ومدرعاتهم فيَجْهِزوا على الحكم ، أما حصول انقلاب ناعم فهذا لم اسمع به أو أقرأ عنه وفي أقل تقدير أنه يندر حصوله ، أما في بلد العجائب والطرائف والعظماء والطغاة فإنَّ ملامحه بدأت تتشكل وإن مازال شبحا يصعب رؤية ضله !!!
فما يحصل وحصل من فوضى وتعدد مراكز القرار وكثرة الباحثين عن الزعامة والتدهور الاقتصادي والصراع الدولي حول العراق وفيه ورغبة الأطراف العربية بعراق ضعيف ومحاولات اسرائيل جر العراق إلى التطبيع كلها عوامل تشجيع على التدهور والخراب .
الفوضي ظاهرها إرباك وتعطيل وباطنها طبخة كبرى تعد ويرتب لها ، فمع هذه الفوضى يمكن التحرك بمستويين الاول إيهام الخصوم بضعف الحكومة وترديها ، والثاني الانتفاع من الفوضى بتغيير القيادات الأمنية والإدارية وتكون قوى الفوضى ساندا للانقلابيين لحظة اتضاح المشروع بشكل جلي أو ساعة إعلان مشروع الانقلاب بشكل علني ، هولاء الفوضويون يكونون مع الانقلاب تحت ذريعة أنهم مؤيدون ومساندون للأمن والاستقرار الذي سوف يأتي به العسكر !! وبذا تكون الفوضى حققت هدفها .
ولكن اين تقف القوى السياسية المدججة بالسلاح والتي لديها فصائل عسكرية إن حصل الإنقلاب ؟
هذه الفوضى خلقت أنصارا كثيرين للسلطة وعزل للقوى الأخرى ، فالمعادلة سهلة حيث يتم تكوين حرس قومي جديد من شباب مندفع ، وضربات أمريكية على مقرات وتجمعات القوى المناهضة للإنقلاب ، وهنا ينتهي كل شيء فالشعب لا يخرج للحرية فهو وريث الف وأربعمائة سنة من القهر وتسلط الحكام الطغاة والمتجبرين فما تعنيه الحرية بشيء بل هو يكرهها ويحن للطواغيت !! .
نظرة سريعة في رموزه ومتبنياته نجدها جميعا دكتاتورية وراثية صنمية ، فشيخ العشيرة وريث أبيه وجده الطاغيتين وحنينه للدكتاتور السابق واضحة لا تخفى وبكاءه على الزمن الجميل الذي هو زمن الذل والقهر والحروب والتغييب والإستبداد ، زمن تحكمت به اقزام المجتمع وقاده اراذل الخلق ؛ الاستبداد السياسي ليس ظاهرة طارئة على الشعوب العربية فهي من صميم ثقافتها وركيزة أساسية في تراثها فالحاكم مطلق اليد يفعل ما يشاء حتى قال شاعر العرب :-
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فأحكم فأنت الواحد القهار
وهو تصوير ادبي يرتقي بصلاحيات الحاكم إلى مستوى الربوبية وهذه الخصائص للخالق وحده لا شريك له فكيف أصبحت لحاكم محدود ومخلوق ولا يدري متى ينقضي أجله !!!
عمليات التبديل والتغيير المستمرة في المواقع الأمنية والإدارية تتم بخطى ثابتة ومدروسة ، وانّ الانقلاب الناعم حاصل ويسير إلى الأمام وأنه حصل على مساندة قوى دينية وسياسية وإجتماعية فاعلة وهذه القوى من مشارب شتى وخلفيات مختلفة يجمعها هدف واحد هو تخليص العراق من أزماته أو تبعيته كما يدّعون !!! .
والانتخابات لن تحصل وهو الأرجح _ وعلى فرض حصولها بعد سنوات ستكون على شكل استفتاء جماهيري كما كان يحصل أيام الطاغية صدام كي يقال أن العراق بلد ديمقراطي !! . ستمسك كل قوة أو عشيرة منطقة وتتحكم بها
الاحداث تنبئ بهذا التغيير الخطير وإن كان المتوقع أن ألأحداث ذاتها قد تفشل الانقلاب وتوقف حركته وهذا ما لا يحصل ، فكلُّ شيء ممكن ولا يستبعد خيار الانقلاب العسكري بعد حين وهو إزاحة القوى السياسية غير المتفاعلة مع الخط الخليجي بقوى جديدة رأسها شيعي ومن الشيعة الناقمين على التشيع كعقيدة ومجتمع وتاريخ ورموز !!! .
العراق يعيش انقلابا وتغيرات هامة ليس انقلابا عسكريا بدبابة كما جرت العادة ؛ إنما انقلابا ناعما مادته الفوضى . والقوى السياسية المتصارعة على الغنيمة والتي غالبها فكرها الصنم الوريث لمجد الأجداد والاباء تعطى قطعة عظم لتسكت عن باقي الذبيحة وسترى نفسها اخيرا خارج الدولة وليس خارج الحكومة وحدها .
https://telegram.me/buratha