د. جهاد العكيلي*||
قبل أن تنهض دول الخليج نهضة تنموية وعمرانية شاملة منذ مطلع عقد السبعينيات، وهي التي تمتلك ثروة نفطية تقدر بـ 20 بالمئة من الانتاج العالمي ، كانت الصورة الذهنية انذاك عند البعض ومنهم بعض العراقيين بأن الجمل الذي نكنيه (بالبعير) تلاصق صورة تلك الدول ويطلقون عليهم (عرب البعارين)
وحين تحدث احد شيوخ دول الخليج الراحلين بضرورة نقل الحضارة الى البداوة، ذلك أن الجمل يعكس صورة حياة دول الخليج التي كانت تعيش في صحراء تغطيها الكثبان الرملية وتلهبها حرارة الصيف القائض، في حين كان العراق آنذاك ومنذ سنين طوال قد غادر (البعارين) بشكل شبه تام ودخل حياة الحضارة المدنية عبر نهضة عمرانية وتنموية شبه شاملة، ولصارت يقينا شاملة لو توفر لشعبه ذلك النظام السياسي المستقر كما هو الحال في دول عرب الخليج ..
وفي الوقت الذي كانت في العراق مؤسسات قائمة تنظمها قوانيين وأنظمة عملت على ترتيب البلاد وحركت الشعب نحو حياة الرُقي والتقدم، كان في المقابل دول الخليج الغنية بثرواتها والفقيرة بأساليب حياتها البسيطة تكافح بشراسه من اجل حياة شعوبها، غير أن الفارق الكبير كان يكمن في ما يدور بالنفوس والنوايا الخليجية الحكومية من حُب الحياة وإحترام عامل الزمن والحرص على توظيفه الادوات في البناء والتطور والاعمار ..
ان هذه المعادلة كانت هي المقياس للجميع والرهان الوحيد لمن يريد أن يحافظ على بلده وشعبه وأن يعمل على نهوضه وتطويره وفق هذا المقياس فكانت رغبة دول الخليج وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة أكثر حرصا وتفهما لشعوبها ، ذلك أن سياستهم بنيت على أرساء اسلوب التعايش السلمي بين الشعب والحكومة وإعطاء حق المواطن في الحياة من خيرات الارض وأخذ نصيبه منها وفقا لما تقدمه الحكومة للشعب كإستحقاق طبيعي من دون منَّة بأن يعيش الشعب ضمن اطار نظام الدولة بشكل سلمي بعد إن وفرت له كل مستلزمات حياته اليومية، وهذا عكس ما حدث ويحدث في العراق تماما حين قضت الحكومات على روح التعايش السلمي مع شعبها وتعاملت معه بصيغة التبعية والسيطرة على مقدراته وجعلت منه شعبا مسلوب الإرادة بل وحشرته الأنظمة والحكومات المتعاقبة بحالة الصراع والتداخل مستغلة بذلك حقه في الحياة الحرة الكريمة طيلة عقود من الزمن، وهو لا يزال يدفع فاتورة بقاء شعارات الأنظمة ومصالحها الفردية والحزبية الضيقة من دون الانتباه لمصلحة الوطن وأبناءه ..
وبالمقارنة بين النمط الخليجي والنمط العراقي بحق الشعب في الحياة نقول ان المواطن الخليجي صاحب الجمل او (البعارين) لا يزال في حالة تحضر مستمرة وصارت (البعارين) تكتسى بحلية من الذهب ، وتسلق القمر وبنى مؤسسات محكمة دستوريا وقانونيا وحوَّل الصحراء الى منطقة خضراء ، اما العراق صاحب التاريخ و الحضارات فتكسرت فيه الاقلام ومزقت المدونات التي نصت على حق الإنسان في الحياة في البناء والتقدم، وصار العراقي اليوم يتمنى ان ينال حقا من حقوق الحيوان كما في الدول التي تحترم حقوق الحيوان لكن هذا حتى هذا الحق لم يناله وإن كان مخزيا ..
هذه هي خلاصة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فالسلام وحده هو الذي يبني الأوطان خصوصا اذا كان حكام الأوطان إمتداد لأصالة وتاريخ الشعوب حينها سنجد سلام دائم وعندها يتم بناء الوطن!..
*/ كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha