منهل عبد الأمير المرشدي ||
كان هناك رجل يعمل فلاحا في مزرعة شيخ العشيرة وكان الرجل محبوبا من الجميع لدماثة اخلاقه وأدبه والتزامه الديني ويعيش مع زوجته التي تمتاز بجمالها والتزامها بالأخلاق الفضيلة والعفة والدين والحياء في بيت جوار بيت شيخ القبيلة .
في احد الايام مر الشيخ من أمام بيت صاحبنا وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها واستولت على شغاف عقله وقلبه . وسوس الشيطان له وخطرت له فكرة بأن يبعد زوجها عن البيت لينفرد بها ويحقق غايته .
عاد الشيخ الى مجلسه المليئ بالرجال ومن بينهم صاحبنا فقال لهم إن صديقه شيخ عشيرة في منطقة بعيدة لديه مجلس عزاء لوفاة أخيه ويريد ارسال وفد لتعزيته والمبيت لديهم ثلاثة ايام لحين انتهاء العزاء واختار سبعة رجال من بينهم زوج المرأة الجميلة .
ذهب الرجال فتهيأت اجواء النفس الفاجرة وما إن هطل الظلام حتى توجه الشيخ إلى بيت الفلاح حيث لم يكن فيه سوى المرأة لوحدها وعند وصوله ارتطم في العامود وأحدث صوتاً فصاحت المرأة من هذا ؟! فقال لها بصريح العبارة ( أنا الشيخ الي أنتم نازلين عنده ! .) ردتّ عليه بالترحيب وسألته وماذا تريد ياشيخ في مثل هذا الوقت ؟! فقال لها أذهلني جمالك عندما رأيتك وسلبت عقلي وقلبي مني وأريد قربك ووصالك ! . قالت له (لا مانع عندي بشرط أن تجيب على سؤالي واذا اجبت اكون لك وكما تريد .
اجابها الشيخ . أشرطي وتشرَّطي وجميع شروطك مُجابة ! قالت : (حتى لا يجيف اللحم ويفسد يرشون عليه الملح ليصلحه ! فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟! ) انتظرك غدا فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد . رجع الشيخ الى بيته بخفي حنين وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة وفي اليوم الثاني امتلأ مجلسه بالرجال فسألهم وبصورة مفاجأة : حتى لا يجيف اللحم ويفسد يرشون عليه الملح ! من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟! .
اختلفت الردود وتباينت فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم وانصرف الجميع من المجلس إلا رجلا كبير السن معروفا بالحكمة والعقل والوقار والدين بقي جالسا في مكانه فسأله الشيخ هل تحتاج شيء قال له أردت أن أكلمك على إنفراد وأحل اليك اللغز ببيت سمعته من الشعر وهو : يا رجال العلم يا ملح البلد .... من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
واذا انت ياشيخ سمعت هذا اللغز من طرف آخر فإنه ينتخيك ويذكرك بمنزلتك ومقامك ويقول لك انه يحتاجك ضامنا وحصن وأخ تحميه من غدر الاخرين ويقول لك إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!.
صدم الشيخ بما سمع وأستيقظ ضميره وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء وملأه الندم على ما كان منه ! ..
أخيرا وليس آخر نقول وقد فسد لدينا الملح والمملوح والمصلح والمصلوح والسامح والمسموح والناطح والمنطوح والذابح والمذبوح . فمن يصلح الرعية اذا الراع فسد ومن يصلح المرؤوس بعدما فسد الرئيس ومن يصلح التلميذ حيثما كان الأستاذ فاسدا .
من يصلح القبيلة ان فسد الشيخ واختفى الوجيه ومن يصلح الأسرة حين يكون رب البيت فاسدا ومن يصلح الوزارة ان كان الوزير فاسدا ومن يصلح البرلمان اذا كان النواب فاسدين ومن يصلح القضاء اذا فسد القاضي ومن يصلح العراق اذا كانت الرئاسات بأسمائها ومسمياتها وبكل ما فيها فاسدة .
ولله در الشاعر الذي قال : يداوى فساد اللحم بالملح ... فكيف نداوي الملح إن فسد الملح..
https://telegram.me/buratha