د.محمد العبادي ||
منذ تأسيس الجيش العراقي في سنة ١٩٢١م وحتى سقوط النظام السابق سنة ٢٠٠٣م شهد الجيش تخرّج العديد من الدورات ، وكان أغلب ضباطه قد تدرجوا في المناصب ودخلوا دورات عديدة في الإدارة ،والانضباط ، والاستخبارات ،والقيادة والسيطرة ، وبمرور الزمان اخذت شخصيتهم العسكرية والقيادية في النمو والتطور، وقويت عند كثير من الضباط سجية القيادة في ( افعل ولاتفعل ) وغير ذلك .
في أواخر سبعينيات القرن الماضي ذهب أحد الضباط إلى الاتحاد السوفياتي السابق (دورة أركان) يقول عندما كنا هناك سألني ضابط الاستخبارات( كم دگمه ابقمیصك)؟! يقول هذا الضابط العراقي واسمه(حسن ابو خالد كان سجيناً في ابو غريب قاف ٢) معلقاً يريد مني ضابط الاستخبارات بهذا السؤال ان أكون دقيقاً حول كل شيء تقع عليه عيني بما في ذلك قميصي الذي ألبسه .!
هناك اعراف في العسكرية ، ان يتخرج طالب العلوم العسكرية برتبة ملازم ثاني ، ثم ملازم أول ويتم ترقيته رتبة أعلى كل اربع سنوات مالم يرتكب مخالفات انضباطية وقانونية تحجب عنه الترقية .
الجيش فيه صنوف مختلفة وقد يكون الضابط المتخرج من كلية العلوم البحرية ،أو من كلية الطيران ، أو العلوم العسكرية لصنف الدروع أو المشاة أو المدفعية أو ضابط إعاشة وإداري وغير ذلك .
يبدأ الضابط من أمرة فصيل، ثم سرية ، ثم فوج ثم مساعد آمر لواء ثم آمر لواء ، ثم ينتقل بعد تجربة لسنوات طويلة من مرحلة الأمرة إلى مرحلة القيادة كقيادة فرقة أو فيلق أو قيادة أركان مشتركة أو أركان عامة وغيره .
ان هذه الأعراف العسكرية قد تم تجاوزها في ظل النظام السابق ، وهذا لا يعني ان غيره لم يتجاوز هذه التقاليد العسكرية( اثبات شيء لا ينفي ماعداه ).
ان الجيش العراقي كان فيه ضباط وقادة مهنيون ، لكن في نفس الوقت تسلل إليه ضباط من دون تسلسل وظيفي ، وأذكر منهم ( صدام حسين ) وهو شخصية مدنية وكما يقولون عنه ( خريج حقوق ) ،لكنه منح نفسه أعلى رتبة عسكرية ( المهيب الركن ) تخطى فيها حتى على الفريق الأول الركن عبدالجبار شنشل العزاوي والذي تخرج من الكلية العسكرية وعمر صدام حسين آنذاك ثلاث سنوات فقط !.
الرتب العسكرية في زمن النظام السابق كانت قد اعطيت اعتباطاً ويروون على سبيل الفكاهة والتندر ان (ابراهيم الدليمي) الذي كان مرافقاً وحارساً للرئيس الأسبق احمد حسن البكر ، عندما يأتي(مدير إدارة الضباط) للرئيس البكر حتى يوقع على مرسوم الترقية للضباط ( يوگف له بالباب ویمنعه من الدخول ویگله : ما اتطب على الرئيس احمد حسن البكر إلا تسويني [نغيب ] اي نقيب )!.
ان صدام لم يكتف بأن جعل نفسه ( مهيب ركن ) ، بل أعطى أولاده رتباً أمنية وعسكرية ، فمثلاً جعل من قصي رئيسأ للأمن الخاص ووضع تحت أمرته ( الحرس الجمهوري ، والحرس الخاص ، والأمن الخاص، وقوات مسلحة ، والمخابرات) وهذه القوات والعناوين فيها رتب عسكرية من فريق ركن ولواء ركن فما دون وكلها تحت قيادة قصي صدام مضافاً إلى المخابرات بمديرياتها المختلفة .
أما عدي فقد اعطوه رتبة ( لواء ركن ) وشهادة تخرج من الأركان، مع العلم انه شخصية مدنية ، وأصبح اقدم لواء في الجيش ، وقام بتشكيل فدائيي صدام .!
أما حسين كامل صهر الرئيس صدام حسين وابن عمه ، فقد كان جندياً في سنة ١٩٨٢م - كما ينقل الفريق الركن نزار عبدالكريم الخزرجي- ولم يكن ضابطاً ، وخدم في المخابرات مع ابن عمه برزان التكريتي ، ومن ثم جلب لحماية صدام ، وقفز في ظرف (٧) سنوات إلى وزیر التصنیع العسکري، والى فريق ركن ووزيراً للدفاع .!
لقد شاهدت سلوك حسين كامل العسكري من خلال عدد من الفيديوهات وتعجبت أنه يتصرف بلا لياقة تتناسب مع رتبته العسكرية ووقارها .
لقد منحت الرتب العسكرية الكبيرة بسخاء إلى كثير من أقرباء رئيس النظام السابق بلا وجه حق على حساب كثير من الضباط المهنيين .!
وتعالوا معي الى ( علي حسن امجيد [المجيد] ) اخو الرئيس صدام ، لقد كان علي الكيماوي برتبة عريف ، لكنه قفز بلاتسلسل وظيفي إلى رتبة ( فريق ركن )! وأذكر لكم حادثة ينقلها الفريق الركن ماهر عبدالرشيد عن الفريق الركن ثابت سلطان حيث كان هذا الأخير يستعد لتسنم منصب رئيس أركان الجيش العراقي وعند تجوال الاخير في أروقة وزارة الدفاع صادف ان ناداه ( علي حسن امجيد) من الخلف (ثابت ) من دون ان يقرن اسم ( ثابت ) برتبته العسكرية التي يحملها ، فالتفت الفريق ثابت سلطان اليه واجابه: نعم تفضل عريف علي ..!
نعم اصبح هذا العريف ( عريف علي) وزيراً للدفاع ولم نسمع من أزلام النظام السابق حسيساً ولانجوى في رفض أو إنتقاد هذه العطاء السخي والاستهانة بالرتب العسكرية في أحد أهم الوزارات الحساسة في الدولة .
وتعالوا إلى عبدالجبار محسن فقد كان كاتباً صحفياً، لكن صدام حسين منحه رتبة لواء، وجعله ناطقا باسم القوات المسلحة العراقية .
أما صابر الحدوشي ففي بداية الثمانينيات من القرن الماضي كان جندياً ، وجاء مع حمايات صدام كجندي، لكن حجي صابر اصبح (بقدرة كن فيكون) عميداً .!
هؤلاء وغيرهم كثيرون كان رئيس النظام السابق قد وهبهم رتباً عسكرية وتم دمجهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية .
وليت الأمر يتوقف على قضية دمج هؤلاء الضباط وإعطائهم رتباً عسكرية وأمنية عالية ، بل دمج قوات أخرى وجعلها ضمن القوات المسلحة وحسب تعبير الفريق ركن نزار الخزرجي( وزع القوات المسلحة وقوات الأمن توزيعات عجيبة) بل خبط القوات في خلطة عجيبة : مثل ، الجيش ، الجيش الشعبي ، وجيش القدس ، والحرس الجمهوري ، والحرس الخاص و..و..الخ .
ومهما كان فبالرغم من محاولات النظام السابق في تجاوز الأعراف العسكرية ومنح الرتب العسكرية لغير المتخصصين( الدمج )، لكن القوات المسلحة لازالت وستبقى قوات مهنية تدافع عن مصالح بلدها ولم تكن وقفاً للنظام السابق .
https://telegram.me/buratha