فهد الجبوري ||
يكون من المناسب طرح موضوع ثقافة الاستقالة كمفهوم يعتبر جزءا أساسياً من العملية الديمقراطية ، وهي عملية تجري ممارستها في العديد من الأنظمة الديمقراطية المستقرة ، فعندما يجد المسؤول سواء كان وزيرا أو كان يحتل موقعا متقدما في السلم الوظيفي للدولة نفسه مقصرا وغير قادر على أداء مهامه يكون الطريق الأنسب له هو الاستقالة ، وقد يلعب الاعلام دورا مهما في تسريع تقديم الاستقالة حتى وإن لم يكن هناك سببا قويا للاستقالة .
في العراق ، مازالت ثقافة الاستقالة غائبة عن النظام السياسي ، وليس لها جذور في ثقافتنا العامة لأسباب كثيرة ، منها أن المجتمع العراقي والأحزاب السياسية عموما (الا ما ندر) لم يتعودا بعد على هذا النوع من الممارسة ، وإن حصلت بعض الاستقالات فهي نادرة (نذكر منها السيد عادل عبدالمهدي الذي قدم استقالته لمرتين مرة عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية ، والثانية عندما كان رئيسا للوزراء ، والدكتور محمد توفيق علاوي الذي قدم استقالته من منصبه كوزير في عهد حكومة المالكي) .
ولعل من أهم الأسباب التي تمنع بعض الوزراء من تقديم استقالاتهم هي أنهم لا يمتلكون حرية الاختيار والتصرف لأن من يملك هذا الحق هو الحزب أو الكتلة التي رشحته لهذا المنصب الحكومي ، وعندما تكون عدم الكفاءة والفشل هما السبب وراء تقديم الاستقالة ، فهذا يعني أن هذا الحزب هو من يتحمل المسؤولية في ترشيح شخصيات لا تمتلك الكفاءة والخبرة والنزاهة في ادارة موقع مهم من مواقع الدولة مثل الوزارات الخدمية كالكهرباء والصحة والتربية والتعليم .
ما زلنا الى حد كبير بعيدين عن هذه الثقافة وهذه الممارسة الجميلة ، ونحتاج الى وقت لترسيخ هذه الثقافه حتى تصبح ممارسة عادية كما هو الحال في البلدان الديمقراطية الأخرى.
نتمنى ان نصل الى ذلك المستوى من الفهم ويكون الوزير في العراق في المستوى الذي يجعله راغبا وقادرا على تقدم استقالته برحابة صدر وشفافية ، كما حصل مرات عديدة في بلدان تحترم نظامها الديمقراطي وتحترم إرادة شعوبها ، ونذكر هنا مثالين :
احد الوزراء في احدى الدول قدم استقالته فقط لانه تاخر ٥ دقائق عن موعد حضور جلسة برلمانية ، ووزير آخر في دولة اخرى (وكان يشغل وزارة الدفاع فيها) قدم استقالته لأن وسائل الاعلام اكتشفت بالصدفة أنه في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه كان قد اقتبس بعض الفقرات والأفكار من مصادر وكتب لكنه لم يشر لها في حاشية أطروحته ، وهذا يعد سرقة فكرية في القانون ، وقد أثار الاعلام ضجة كبيره حول ذلك خرج على أثرها هذا الوزير (المسكين) ليعلن للملأ انه لم يعد قادرا على الاستمرار في ممارسة عمله وكان قراره هو الاستقالة .
https://telegram.me/buratha