د. جهاد العكيلي * ||
لقد سَبقت العراق الكثير من الدول التي نهجت نهجا حضاريا وإنسانيا لتنظيم شؤون الحياة اليومية التي يعيشها المواطن عبر إعتماد القوة الرادعة، وكان الهدف طبعا تقييد سلوك المواطن بضوابط ومعايير أخلاقية وقيم منظمة بقانون ولا تبتعد كثيرا عن نشر منطلقات الخير والفضيلة وإشاعة روح التسامح التي تتشارك كلها مع قوة الردع وفي مقدمتها العُرف الاجتماعي بشقيه العام والمؤسساتي ..
ويقينا أن هذه الدول لم تبلغ مرحلة التحضر هذا لولا إعتمادها ذلك النهج الذي أفضى بالنهاية الى ترسيخ مبادئ وقيم العطاء الانساني بأرقى صُوره ومنها تنشئة الانسان تنشئة حسنة في جميع مراحل حياته وتقويمه تقويما صحيحا كي يحافظ بالتآزر والتعاضد مع الانظمة القائمة في هذه الدول مقابل أن تُصان حقوقه المشروعة ومنها حقه في الحياة للعيش بإمن وسلام ..
وفي العراق، الذي سبق بحضارته وقوانينه وعمقه الانساني هذه الدول بألآف السنين، غابت عنه للأسف أهمية الردع بمختلف صنوفها سواء أكان هذا الردع تشريعيا منصوص عليه بقانون حازم تترتب عليه أصول وضوابط أم كان رادعا إجتماعيا أخلاقيا وإنسانيا يدخل فيه الدين والقيم والاعراف الاجتماعية التي كانت تعمل به القبيلة والمجتمع معا، وطبقا لكل ذلك كانت شؤون الحياة تُدار بطريقة سلسة لا سيما وإنها كانت تستند ايضا الى نظام اجتماعي يتخذ من التعايش السلمي والتآلف طريقا واضحا يقترن بِحب المواطن للوطن مهما يكن نوعه وإنتماءه، غير أن واقعنا المعاش اليوم يؤشر لنا عكس ذلك! فما السبب يا ترى!..
إن ما هو موجود، وما هو مُتداول في شرائعنا ودساتيرنا، التي تحث على الاستقامة والأمانة وحفظ المال العام والاخلاص في العمل وغيرها الكثير التي تدخل في قائمة الروادع التي تردع الإنسان من الانحراف والتمسك بمخافة الله والخشية منه جلت قدرته، واضحة ولا لبس فيها لكن واقع الحال يؤشر غير ما قلناه وما أشرنا، فالفساد صار مستشريا وضرب بأطنابه مفاصل الحياة المادية والأخلاقية، والهيمنة على اموال وممتلكات الدولة التي هي ملك للشعب صار يتم التصرف بها وكأنها ضيعة وجدت لمجموعات يتصرفون بها كيفما يشاؤون من دون وازع ضمير وتم تعطيل القانون على وفق اهواء أفراد إستأثروا بكل شيء ومنه سرقة موارد الدولة العينية والمالية والعبث بها من دون أن يوقفها رادع قانوني او إجتماعي ..
إن ما يحصل في عراقنا المتحضر هي الفوضى بعينها التي عمت مرافق الدولة والمجتمع والتي لا يوجد لها مثيلا عند الشعوب الاخرى ودولها ، وإن وجدت في بعض الدول فهي لا تصل إلى حد المقارنة مع وضع العراق القائم الذي تتسيده أيضا جرائم منظمة وتدهور الواقع التعليمي والصحي والخدمي الناجمة قطعا عن إنعدام تطبيق القانون وعدم الالتزام بالروادع الذاتية التي تسير المجتمع والحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي ..
من هنا فإن على الجميع مِمن هم في موقع المسؤولية، بدءً من أعلى سُلم للدولة، وإنتهاءً بوجهاء المجتمع من رجال دين وشيوخ أن يحثوا الحكومة بأهمية الالتزام بتطبيق القانون ومحاسبة كل من يخرج عن نظام الروادع للإخلال بسلوك المجتمع، ومحاسبة كل جهة مسؤولة ينتمي لها أفراد يقترفون السرقة وإرتكاب الجرائم المنظمة بحق المجتمع ، وإبعادها عن دورها الضار في المجتمع سواء كان لها دور سياسي مهني ديني او إجتماعي حتى تنجلي الحقائق وتوفير الفرص للشعب بأن ينهض بنفسه من جديد حتى لا تكون البلاد بيد من يعبث بها وبأمنها مثلما تشاء مصالحهم هؤلاء الافراد الضيقة التي صارت تعصف بالمجتمع وتهزّ أركانه وأسسه ما قد تقوده لطريق مسدود قد يضطر في لحظة ما لفتحه لإقامة الامن والعدل والسلام والاستقرار التي هي من أهم أماني وأحلام العراقيين ..
/ *كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha