منهل عبد الأمير المرشدي ||
· إصبع على الجرح..
في مثل هذا اليوم قبل قرابة الألف واربعمائة سنة حجّ النبي المصطفى صلّى الله عليه وآله حجة الوداع ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله وبعد إن خرج صلّى الله عليه وآله من المدينة مغتسلاً متدهّناً مترجّلاً متجرّداً في ثوبين صحاريين إزارٍ ورداء وأخرج معه نسائه وأهل بيته وعامّة المهاجرين والانصار ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس حيث بلغ العدد على أقل الروايات أكثر من مئة ألف .
فلما قضى صلى الله عليه وآله مناسكه وانصرف راجعاً الى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورة وصل إلى غدير (خُمّ) من الجُحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين.وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: (أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة (67) .
كان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان حتّى إذا أخذ القوم منازلهم إذ نودي بصلاة الظهر فصلّى بالناس وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء وظُلِّلَ لرسول الله بثوب على شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس فلما انصرف صلّى الله عليه وآله وسلّم من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع رافعاً عقيرته فقال "الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضلّ ولا مُضلّ لمن هدى وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله. أما بعد: أيها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير: أنه لم يُعَمّر نبيّ إلاّ مثلَ نصفِ عمر الذي قبله.
وإني أوشك أن أدعى فأجيب. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ فجزاك الله خيراً. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنّته حقّ وناره حقّ وأن الموت حقّ وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: أللهمّ اشهد ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرَط على الحوض وأنتم واردون عليّ الحوض فأنظروا كيف تخلفوني في الثقلين.
فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عز ّوجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا والآخر الأصغر عترتي وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربّي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد عليّ إبن ابي طالب فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات ـ ثم قال: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه حيث دار ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ألله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعليّ من بعدي".
ثم طَفِقَ القوم يهنّئون أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وممن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبوبكر وعمر كلّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم.
هذه الرواية التي ذكرتها بإيجاز هي متفق عليها في أغلب صحاح المسلمين ومن يتبحر في فحوى الحدث وما جاء بالنص الإلهي والحديث النبوي الشريف وما كان رد فعل الصحابة إزائها يتيقن إنه كانت فرصة الأمة للظفر بالحق والبصيرة والوحدة والفوز الكبير .
نعم لقد كانت الحل كل الحل لكل ما سيواجه أمة الإسلام فكيف تحولت الى لب المشكلة وأساس الخلاف وما بين القوم والقوم كلام الله عز وجل وحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله .
إننا إذ نبارك لجميع المسلمين هذا العيد الأغر عيد البيعة الكبرى لولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام نبتهل للباري العزيز أن يهدي الأمة الى سواء السبيل ويوحد أهوائها ويقوي عزمها في مواجهة اعدائها والحمد لله رب العالمين .
https://telegram.me/buratha