زيد الحسن ||
نسيت احلام الطفولة بعد انغماسي بالندم على مرحلة الشباب وانصهاره بخيبتي الكبرى ، الخيبة في وطني وخسارتي لسنوات طويلة من العمر .
كان عمري اثنا عشر عاماً حين بدأت بفتح بصيرتي على التاريخ وعشقه بصورة جنونية ، كنت ملازماً لكل من يحكي لي عن الثورات العربية والعالمية ، حتى انني رسمت صوراً في خيالي لكل بطل من ابطال هذه الثورات ، ذهب العمر سريعاً وتوقف لبرهة ذاك اليوم الذي اخبروني انني حصلت على مقعد دراسي في جامعة بغداد كلية التربية .
اصبحت لصاً رغماً عني في السنة الاولى في الجامعة ، ولن انسى ذاك اليوم و تلك السرقة ، لم اكن اعير الاهتمام لملابسي ، لقد كانت الرحمة ان الزي موحد، لكن تكمن المشكلة كلها في ( الحذاء ) ، هذا الذي ترونه الان بلا ثمن كان سبب لصوصيتي وشحذ افكاري لاقتنائه لساعات معدودة ، اقنعت نفسي انني لم اسرق فقط استعير حذاء اخي ليوم فقط ، بسبب انني فقدت شسع الحذاء وانا اهرول خلف الحافلة ، كان يوماً ماطراً يوم سرقتي وساعدتني اجواء المطر بعدم ذهاب اخي الى العمل ، ارتديت جورابي المثقوب من اصبعي الكبير ومشيت على اطرافي لاكمل ما خططت له لساعات ، دنوت منه واعتلت شفاهي بسمة عند ملامستي له ، ثوانِ معدودات وهو يركض بي خارج المنزل وصولا الى الجامعة ، انتهى عامي الاول وكانت فرحتي بالنجاح قد انستني مواجع الايام .
سنتي الثانية والثالثة لاتختلف بشيء ، مغبون انا فيها كما يقول الحديث الشريف ( من تساوى يوماه فهو مغبون ) ، لكني كنت احاول ان اغير من حياتي وارفع هذا الغبن عني باصرار عجيب ، وزعت ايام الاسبوع بين العمل والجامعة ،وكنت اعمل من اجل الحصول على المال اللازم لدراستي و ديمومتها ، ليلي قراءة و مثابرة ونهاري عمل وكدح مستمر ودراسة بجد وتفاني ، انتهت السنة الثانية والثالثة وكان النجاح والتفوق حليفي ، وانتقلت لسنتي الرابعة ، سنة تحقيق الاحلام ، لكني فوجئت بتغيير جذري لاحلامي السابقات ، بدأ شعور يعترني بان الكبر لاح مني خصوصا عند رؤيتي لشعرة بيضاء في مفرق رأسي ، هنا قررت ان اكون كأخي الكبير ، اخي الذي سرقت حذاءه ، متزوج وله صبي وبنتين والبسمة لا تفارق محياه ، ويوم عرف بسرقتي ضحك ضحك لم اشاهده من قبل ، ضحك بآلم وحتى انه وبخني لاني لم اخبره عن احتياجاتي .
كانت حفلة التخرج رائعة جداً، فيها فقط ارتديت شيئا جميلاً وكان ملكي الخاص لوحدي وليس استعارة من صديق ولم يكن من (الباب الشرقي ) بل كان من محل تظهر صوره في الاعلانات ، اعتمرت القبعة وفي يدي الشهادة ، مبتسم للكامرة التي تصور اللحظة ، وكانت اخر ذكرى لي مع البسمة .
تزوجت وانجبت ثلاث اطفال ، واعمل ( عمالة ) يوم اعمل واسبوع عاطل عن العمل ، اولادي لم يصدقوا انني خريج ولدي بكارليوس تربية ، لان الملابس التي ارتديها في العمل ليست لموظف .
شهادتي اخفيتها من سنوات حتى لا اتذكر كيفية حصولي عليها والثمن ، اليوم انا سارق بنظر نفسي وانتم ايضاً سراق لانكم السبب في سرقة حلمي بالحصول على وظيفة في عراق اللصوص ، ولم اسمع عن بطل حقيقي صادفني طوال عمري .
https://telegram.me/buratha