حمزة مصطفى ||
أشهر "دكة" في تاريخنا القريب هي "دكة" رشيد عالي الكيلاني في أربعينيات القرن الماضي. لا أعرف لماذا سميت "دكة" برغم قراءتي لكل كتب عبد الرزاق الحسني وحنا بطاطو. أما أقرب "دكة" أثرت على الذائقة البصرية لبغداد على "كولة" حميد قاسم وعلي وجيه هي "دكة" النحات خليل خميس. وخميس تبرع من ماله الخاص بنحت من جهده الخاص ونصب تمثالا للاعب الذي يحبه ونحبه جميعا, الإ ماندر, الراحل أحمد راضي. وفي إحتفال بهيج تم نصب التمثال أمام نادي اليرموك الترفيهي الذي لايغلق بلغة مدير صحة الكرخ النطاسي الحكيم جاسب الحجامي حيث إغلاق نادي سان جيرمان أسهل منه. أمانة بغداد لم تكذب خبرا, فما أن رأت التمثال إرتفع حتى سارعت الى رفعه. لماذا؟ لأسباب كثيرة منها عدم حصول موافقات أو تنسيق فضلا عن أن إقامة النصب والتماثيل تتم وفق دراسة وإستشارات وسواها مما يبدو مقنعا.
أنا شخصيا إقتنعت بتبريرات الأمانة برغم "فزعة" البروفيسور طه جزاع للنحات الذي صار ضحية لتنمر المجتمع على الأفراد. لماذا إقتنعت بتبريرات الأمانة"؟ التمثال لم يعجبني ليس لأنه يدمر الذائقة البصرية لبغداد المدمرة أصلا بل لأنه يشبه كل لواعيب كرة القدم عندنا بمن في ذلك قاسم زوية وحسن بله لكنه لايشبه أحمد راضي. القصة لم تنته عند حدود إقامة تمثال بمبادرة شخصية من نحات تولى العملية من الألف الى الياء دون أن يكلف الدولة فلسا واحدا, بل سرعان ما إنتقلت الى "السوشيال ميديا" بمن في ذلك عقلاء هذه السوشيال من أمثال عبد الهادي مهودر الذي طالب دون أن يصرح الى رفع بعض التماثيل لأن ذلك أرحم لنا ولها.
عالم السوشيال ميديا في العادة لا يرحم بل "يمرمط "أكبر واحد. فهو عالم لاينفع معه حق ولا يضر معه باطل. لا يؤمن بالحدود ولا الشروط ولا درء المفاسد أولى من جلب المصالح ولا المؤمن إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ له أجر واحد. لغة مواقع التنافر طبقا لتوصيف صديقي طه جزاع تقوم على أساس كونك مخطئا حين تصيب ومصيبا حين تخطئ. هذا العالم لايقبل عكس كل المحاكم بمن في ذلك محكمة العدل الدولية لا واسطة ولا كفالة بل حتى لو حكم عليك بالإعدام فإن السوشيال ميديا يوفر لك كل ماتحتاجه من مستلزمات مابعد الموت بمن في ذلك عذاب القبر الإفتراضي ومنكر ونكير الإفتراضي, حتى لو كنت مظلوما وكدت تخرج من الملة بفتوى من فقهاء الشوشيال ميديا لأنك دمرت ذائقة بغداد البصرية بمن في ذلك مناطق العشوائيات وصبغ الأرصفة والجزرات. جميل أن نفزع الى بغداد, لكن الأجمل منه أن نطلب من أمانة العاصمة أن تعصم الطليان والخرفان وشتى أنواع الكلبان (بلغة هذيل) التي تتجول حرة طليقة في أرقى الأحياء, وإذا شاءت فبإمكانها إقامة الجوبات, وهلس الباجات وسل السكاكين والقامات للذبح والعركات. وكل ماهوآت آت بمن في ذلك موعد الإنتخابات الذي نأمل أن يكون بلا دكات .. كاملات أم ناقصات.
https://telegram.me/buratha