عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
عندما انتهت الحرب العالمية الاولى عام ١٩١٨، كان العالم امام خريطة نفوذ جديدة، جرى الاعداد لها بين بريطانيا وفرنسا، فكانت معاهدة (سايكس-بيكو) مصداقا لهذا التقسيم، الذي جاء على انقاض الامبراطورية العثمانية، وكانت اجواء الحرب، قد وفرت ظروفا مناسبة، لاندلاع الثورة العربية، بقيادة الشريف حسين وابنائه، في الحجاز ضد الوجود العثماني، بدعم بريطاني واسع، وقد جرى توثيق استعداد بريطانيا لدعم ثورة الحجاز عبر مراسلات طويلة بين الشريف حسين، والسير ماكماهون معتمد بريطانيا في مصر، بالاتفاق على تولي الشريف الحسن ادارة المنطقة العربية، فيما يتولى اولاده فيصل وعبدالله حكم سوريا والعراق.
وبعد ان وضعت الحرب اوزارها، بدأ العمل على تنفيذ ماجرى الاتفاق عليه، فنودي بفيصل ملكا على سوريا، عام ١٩٢٠، ولم تمر سوى عدة اشهر، حتى جاء الفرنسيون، وفقا لاتفاقية (سايكس-بيكو)، معلنين انتدابهم على سوريا ولبنان. فخرج الملك فيصل مخلوعا من بلاد الشام.
بعد هذه الاحداث، سعى الانگليز الى المجيء بفيصل ملكا على العراق، بدلا من اخيه عبدالله، وكان ذلك بتاريخ ٢٣ اب ١٩٢١.
وقيل ان الملك لم يكن راغبا بعرش العراق، فقد كان هواه شاميا، كما ان الكثير من العراقيين لم يكونوا مرحبين به، لذلك، واجه فيصل في بداية توليه العرش مصاعب ومتاعب كثيرة في حكمه، الا ان الامور تغيرت، وبات العراقيون يحبون مليكهم،، فوصفوه بالذكي والحصيف والشجاع، والمحنك.
وما يمكن الاشارة اليه هنا، ونحن نتحدث عن مرور ١٠٠ عام على تولي الملك فيصل عرش العراق، هو ما تحقق خلال ١٢ سنة من حكمه، هو انه نجح في انهاء الانتداب البريطاني على العراق، في الثالث من تشرين الاول عام ١٩٣٢، والانضمام الى عصبة الامم المتحدة، بوصفه بلدا مستقلا ذي سيادة كاملة، ولكن ايضا يؤاخذ عليه انه قمع بقسوة العديد من الحركات الوطنية، التي كانت تتبنى فكرة رفض تدخل بريطانيا في الشأن العراقي، على الرغم من ان عراقيين كُثرا اتهموا بريطانيا التي جاءت بفيصل ملكا على العراق، بأنها هي من كانت وراء قتله عن عمر ٤٩ سنة، اما لماذا قتلوه؟ فيُقال، لانه كان قويا، ورفض الكثير من الاوامر البريطانية، كما انه كان مخلصا للعراق، برغم هواه الشامي، فعمل على اشاعة الحريات، وعقد الكثير من الاتفاقيات مع دول الجوار، لتحقيق السلام في المنطقة، فضلا عن تشجيعه للصناعة والزراعة، وكل هذه السياسات من شأنها اقصاء بريطانيا وحرمانها من منطقة نفوذ في غاية الاهمية، فكان القرار بتصفيته عبر دس السم له، بواسطة ممرضة باكستانية كانت تشرف على علاجه فتوفي هناك في سويسرا يوم ٨ ايلول ١٩٣٣، لتُطوى بذلك واحدة من اهم حقب تاريخ العراق الحديث، حقبة شديدة الحساسية وشهدت الكثير من الاحداث الكبيرة والمؤثرة.