المقالات

الوثائق التاريخية تؤكد إصرار يزيد وأعوانه على قتل الإمام الحسين "ع"


 

د.محمد العبادي ||

 

تحدث كثير من المؤرخين والمحدثين عن حادثة عاشوراء وحمّلوا يزيد وأعوانه مسؤولية ماحصل للحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الذين رافقوه في رحلة الثورة والشهادة.

لقد كان ليزيد وأتباعه دوراً سيئاً في التخطيط لقتل الإمام والتخلص منه ؛ حيث إتبع سياسة قمعية في الضرب بيد من حديد على كل من يخالف خلافته الأموية؛فقد ذكر البلاذري(ت279هـ)، وابن الجوزي(ت597هـ) أنّه :( لما مات معاوية كان يزيد غائباً فقدم فبويع له، فكتب إلى الوليد بن عقبةـ وإليه على المدينة ـ خذ حسينا وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا)(1).

أدعو القارئ الكريم أن يتأمل في عبارة يزيد التي يقول فيها : خذهم أخذاً شديداً ليست فيه رخصة! إن هذه العبارة تعني إما أن يبايعوا يزيد أو ينكّل بهم ويقتلوا !

وتتحدث بعض الأخبار التاريخية بشكل واضح وصريح في أن يزيد أمر عامله على المدينة بإستعمال القوة وإكراه من يخالفه على البيعة له، وفي حال عارض أحدهم وامتنع عن البيعة ؛ فيأمره (يزيد) بضرب عنقه وأن يبعث برأسه إليه (...ثم كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنها أذن فارة:  أما بعد:  فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ رأسه)(2).

وذكر اليعقوبي(ت284هـ) عبارة قريبة من عبارة الطبري (ت310هـ) وابن أعثم (ت313هـ)؛ فقال:(وملك يزيد بن معاوية.. وكان غائباً، فلمّا قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيانـ وهو عامل المدينةـ:  إذا أتاك كتابي هذا، فأحضر الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير. والسلام)(3).

هذه أوامر عمودية صارمة من يزيد الى عامله ليس فيها فسحة للمناورة والتأخير في بذل البيعة له طوعاً أو كرهاً، ومن أبى فتقطع عنقه !

لم ينته المشهد التراجيدي المؤلم عند هذا الحد ؛ فقد جرت مشادة كلامية بين الوليد بن عتبة عامل يزيد من جهة، وبين مروان ومن رأى رأيه من جهة على خلفية عدم أخذ البيعة ليزيد من الحسين عليه السلام بالقوة، وأنفضوا عن الوليد وهم يولولون ويتمتمون في وجوب أخذ البيعة من الحسين عليه السلام بالقوة او قتله. هذا التيار الأموي الصقوري الذي يتزعمه مروان بن الحكم أخذ على عهدته تنفيذ أوامر يزيد بتصفية الحسين وقتله !

كان الإمام الحسين عليه السلام قد علم أن الملأ الأموي يأتمرون به ليقتلوه، ولذا قال لإبن عباس:(وأيم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، واللّه ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت)(4) ، و(قَالَ الْحُسَيْنُ: وَاللَّهِ لا يَدْعُونِي حَتَّى يَسْتَخْرِجُوا هَذِهِ الْعَلَقَةَ مِنْ جَوْفِي،)(5) ، وقال الإمام الحسين عليه السلام للفرزدق (لو لم أعجل لأخذت)(6).

على اثر ذلك خرج الحسین علیه السلام من المدينة متوجهاً نحو مكة، وفي ذلك يقول الشاعر:

خرج الحسين من المدينة خائفاً     

  كخروج موسى خائفاً يتكتمُ

وقد إنجلى عن مكة وهو ابنها     

وبه تشرّفت الحطيمُ وزمزمُ

لم يدر أين يُريح بُدنَ رِكابه         

  فكأنّما المأوى عليه مُحرّمُ

نعم خرج الإمام الحسين عليه السلام وقلبه يتلفت نحو المدينة، لكن لاسبيل الى ذلك. لقد كانت كتائبهم تطارده وتتحين الفرصة للنيل منه، وقد ذكر لنا ابن عباس طرفاً من الحقيقة عندما كاتبه يزيد محاولاً أن يستميله إليه بعد مقتل الحسين، لكن ابن عباس لم يهادن فالجرح الذي أحدثه يزيد عميق جداً، ورد عليه:(وماانس من‌ الاشياء فلست‌ بناس إطرادك الحسين بن علي من‌ حرم‌ رسول‌ الله الي ‌حرم‌ الله ودسك إليه الرجال تغتاله فاشخصته‌ من‌ حرم‌ الله الي‌ الكوفة فخرج منها خائفا يترقب، وقد كان أعز أهل البطحاء بالبطحاء قديماً، وأعز أهلها بها حديثاً، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاما واستحل بها قتالاً، ولكن كره أن يكون هو الذي يستحل حرمة البيت وحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبر من ذلك ما لم تكبر حيث دسست إليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم... فلما رأى سوء رأيك شخص إلى العراق، ولم يبتغك ضرابا، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسينا بالرجال، وأمرته بمعاجلته، وترك مطاولته، والإلحاح عليه، حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً)(7).

وحتى لانعزل الأحداث عن بعضها ؛ فقد كان الإمام الحسين عليه السلام بين ثلاثة مواقف وهي: الموقف الأول : أن يبقى في المدينة ويبايع ليزيد مكرها وهو مارفضه منذ البداية.

 الموقف الثاني : أن يبقى في المدينة أو يرحل الى مكة أو غيرها من البلاد البعيدة ويمتنع عن مبايعة يزيد، وعندئذ يلاحقونه ويقومون بقتله.

الموقف الثالث : هو أن يرحل الى الكوفة لاسيما وأن رسلهم كانت تختلف إليه ورسائلهم تتوارد عليه، وقد اعلنوا ولائهم له وحاجتهم إليه ودفاعهم عنه، وعندئذ دعاه تكليفه لإجابتهم في تطبيق الشريعة فيهم. وهذا هو الموقف المتعين الذي إختاره لاسيما وأن حظوظه في العيش في المدينة ومكة او اليمن قد إنعدمت.    

إن الكتب والرسائل والأحداث تشير الى أن يزيد بن معاوية كان يقف خلف كل تلك السَوْرة الأموية المسعورة نحو الحسين عليه السلام، وكانت تصله الأخبار عن حركة الإمام الحسين عليه السلام ويصدر أوامره تبعاً لذلك:(وكان يزيد قد ولّى عبيد اللّه بن زياد العراق وكتب إليه:  قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجهاً نحوهم... فإن قتلته وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك)(8)، وكان ابن زياد يعمل ضمن أوامر يزيد، ويروي المؤرخون أن الحر بن يزيد جاء ومعه ألف فارس ونزلوا بحذاء الحسين وكتب الحر رسالة الى عبيدالله بن زياد فكتب ابن زياد رسالة الى الإمام الحسين عليه السلام فيها كلمات صريحة في أمر يزيد لإبن زياد بقتل الإمام الحسين فقد كتب عبيدالله بن زياد الى الإمام الحسين (قد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد: أن لا أتوسد الوثير(9) ، ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك باللطيف الخبير، أو تنزل على حكمي، وحكم يزيد، والسلام)(10).

وشهد شاهد من أهلها فقد إعترف ابن زياد مرّة أخرى في أنّه أقدم على فعلته الشنيعة بقتل الإمام الحسين عليه السلام،لأن يزيد طلب منه ذلك وخيره بين أن يقتل الإمام الحسين او يقتله حيث قال (أَمَّا قَتْلِي الْحُسَيْنَ فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَيَّ يَزِيدُ بِقَتْلِهِ أَوْ قَتْلِي فَاخْتَرْتُ قَتْلَهُ)(11)!.

 وبهذا الصدد ذكر المناوي (ت1031هـ) أنّه (قيل لابن الجوزي وهو على كرسي الوعظ كيف يقال يزيد قتل الحسين وهو بدمشق والحسين بالعراق فقال:

سهم أصاب وراميه بذي سلم... من بالعراق لقد أبعدت مرماكا)(12).

لقد وجهت العقيلة زينب عليها السلام أصابع الإتهام الى يزيد فيما حصل من جريمة القتل الجماعي للحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه حيث قالت له (وماقتل أخي الحسين (سلام الله عليه) أحد غيرك يايزيد، ولولا أمرك مايقدر ابن مرجانة أن يقتله)(13).

ومماتقدم يظهر أن الوثائق التاريخية تبقى حقيقة شاخصة وشامخة ولامجال لطمسها حيث تشير بما لالبس فيه أن يزيد بن معاوية كان هو الذي يقف خلف أحداث كربلاء الدامية وهو الذي اصدر أوامره بقتل الإمام عليه السلام وأهل بيته وأصحابه.

.............

الهوامش

 .......................

1ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج5ص299؛ ابن الجوزي، المنتظم، ج5ص323.

2ـ ابن أعثم الكوفي،  الفتوح، ج5ص10 ؛ ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري، ج4ص250.

3ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2ص241.

4ـ ابن الأثير الجزري،  الكامل في التاريخ، ج4ص38 .

5ـالطبري، تاريخ الطبري، ج5ص394 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام،ص309.

6ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص386 ؛ ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، ج8ص180.

7ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2ص249.

8ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2ص242.

9ـ هو الفراش الثخین اللین. أنظر : الفيومي، المصباح، ج2ص647، مادة وثر.

10ـ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5ص85 ؛ محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول، تحقيق ماجد بن أحمد العطية، ص400؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب،ج3ص248، وغيرها من المصادر.

11ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3ص234.

12ـ المناوي، فيض القدير، ج1ص204، رقم الحديث 281.

13ـ القندوزي، ينابيع المودة، ج3ص92.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك