الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||
في ومضة كالبرق الخاطف بين سماء التيه والحيرة؛ إذ كان العراق في لحظات الوداع الأخيرة ظهر صوت الحشد ليقول للموازين تغيري وللجبهات استعدي وللهزائم توقفي فقد حان وقت الانتصار, لقد سمع الغيارى من أبناء العراق نداء الوطن الجريح عبر أثير المرجعية التي كانت وستبقى خيمة لكل الأحرار من أبناء العراق الذي عاث فيه الفاسدون فسلَّموه إلى الرعاة والعصاة وجلسوا على التلال يتنفسون السعداء بعد أن مكَّنوا الاعداء من المال والعرض والوطن والشرف بينما يتنعمون بالأبهة والفخامة في فنادق الخيانة والغدر ويتأملون مصير الشعب الذي لم يكن له حينئذ حولٌ ولا قوة إلا بالله وجنوده من شبان الحشد.
إن تجربة العراق في تأسيس قوة الحشد يمكن أن يكون درسا لمن أراد أن يفهم معاني العشق بالنسبة لعشاق الغيرة والشرف من محبي الدين الوطن, فقد انبرى شبان العراق في لحظات حاجة الوطن إليهم دونما تفكير بما أو بمن تركوه خلفهم من الآل والأبناء والزوجة والعشيرة وغيرهم, وتلقوْ النداء بوجوه تملؤها البهجة والسرور وكأنهم عرسان الليل يتسابقون إلى المنية بكل فخر واعتزاز واقتدار, لم تمنعهم قلة العدد أو العُدَّة؛ بل خرجوا حفاة مجردين من السلاح يتراكضون نحو الجبهات بقلوب وكأنهم في سباق نحو الحياة.
لقد كان تشكيل الحشد معجزة اخرى تضاف إلى أمجاد العراق الأبيِّ, إذ تشكل في ظروف خاصَّة من حيث سرعة التشكيل والتوجه والمشاركة في المعارك الكبيرة من دون استعداد أو تدريب أو تمرينٍ كالتي تكسبها تشكيلات جيوش العالم المختلفة؛ بل انبرى قيادات كانت متنعمة فتركتها, وشبانٌ كانوا في وظائف مختلفة فقطعوها, وشيوخ كانوا وجهاء فاختاروا وجاهة الحشد ومالوا إليها؛ ليتشكل الحشد المقدس بين صوت علا فغلب, وجمهور سمع فاستجاب فانتصر, ومما ينبغي عدم تجاهُله في تشكيل هذه النخبة التي أعادت للعراق كرامته والوطن حياته تلك الشخصيات التي وهبت نفسها للعراق وشعبه كشيبة الشباب المتمثل بالشهيد الخالد- المهندس- مهندس الحشد وقائده الذي رزقه الله كرامة الشهادة على يديْ أعتى خلقه من أعوان الشيطان الأكبر, ولا أنسى أقرانه من شيوخ الفتح ومجاهديه و وشبابه الذين امتزجت دماؤهم بتربة الوطن فاخضرَّ البقاع وازدان الخضاب فشع شمس العراق من جديد.
إن العمل المؤسساتي في العراق كانت تجربة رائدة لمن أراد النجاح وبلوغ الغاية, فالأحزاب التي فتحت أبوابها وقدمت شبابها ومارست دورها الريادي في الاستجابة لدعوة المرجعية الرشيدة كانت وعاء أمينا لتلك الطاقات الشبابية التي نجحت في استنقاذ العراق وأبنائه من كيد الفجار والظالمين ومنعوا بذلك من السقوط في مكائد الشيطان الأكبر كالتي حدثت في أفغانستان حينما أسقطتها أمريكا على يديْ طالبان, فاستباحت الدماء وقتلت ما قتلت وشرَّدت أبناءها لتتراجع كالمنحدرة من الجبال نحو مصير مجهول؛ بل إلى ضياع معلوم.
إننا إذ نقف هذا الشموخ اليوم ونعيش لحظات الانتصار علينا أن نقدم شكرنا وتقديرنا للمرجعية الرشيدة وللأحزاب التي استعدت وللشباب التي تقدمت فقضى بعضهم نحبه وينتظر الآخر دوره ليعيش العراق بعز وكرامة وإباء, وعلى الجميع إن كانوا أحرارا أن يتوجهوا إلى الله تعالى بالدعاء والمناجاة لتبقى خيمة العراق ويبقى هذا الامتداد الذي يمثل بحق امتداد سنوات المحنة الصدامية والمواجهات التاريخية مع جلاوزته بين الاهوار والاغوار؛ بل يمثل صيحة الحسين المدوية عبر أثير الزمن (ألا هل من ناصر ينصرنا) فخرج الحشد ليقول: لبيك يا حسين لبيك يا حسين لبيك يا حسين.
ــــــ
https://telegram.me/buratha