سامي التميمي || أرغمتنا الحكومات السابقةعلى الحرب مع أيران لمدة ثمانية سنوات ، وكنا نساق كالخراف للمجازر ، فرق الأعدامات خلفنا والسجون وقطع الأذن والتعذيب والتنكيل والقتل برصاصة مدفوع ثمنها من جيوب أهالينا بحجة خيانة الوطن ، والموت الحتمي أمامنا بالصواريخ والراجمات والمدافع وكل أنواع الأسلحة وأذا كان لديك أبسط أمل أو نجاة من الموت ، فهو الأسر وتكون بعدها ضحية للأتهامات والضياع والكآبة والمرض لسنوات مريرة ، في سنوات الجامعة1988 أستوقفتنا مفارز للجيش الشعبي والرفاق البعثية وأقتادونا الى الفرقة الحزبية . وكان هناك جمع غفير من الرجال والبعض كان كبير في السن ، لايستطيع المشي والوقوف على رجليه ، وكان هناك مجموعة قليلة من النساء تصورنا بأنها ندوة أو مهرجان . لتمجيد البعث وصدام ، ولكن تبين بأنها حملة تعبئة لجبهات القتال . وكان أمين سر الفرقة هو اللعين ( طه الشكرچي ) وكان معروف ومشهور بظهوره المتكرر مع صدام ، هو قائد عسكري قديم ومن المناصرين لصدام وجلاوزته ، فقام بألقاء خطاب ركيك وضحل مثل شاكلته حول خدمة الوطن والتضحية وماشابه ذلك ، فقلنا له ماذا مطلوب منا قال : الذهاب لجبهات القتال !؟ قلنا له : بأننا طلاب في الجامعات والمعاهد ، والقانون لايسمح بذلك . قال : نحن القانون . بعد مناقشات حادة بيني وبينه وصلت للصياح . رجع قليلا للوراء وقال : فقط النساء من لاتذهب لجبهات القتال . ومن لا يريد الذهاب الى جبهات القتال ويعترف بأنه مرأة فيذهب الى جانب النساء . كان موقف صعب جداً وساومنا وأغتصب رأينا وأرادتنا و كرامتنا وعزتنا ورجولتنا . فلم نستطع المطاولة والنقاش معه لأنه مستهتر ومستعد لالصاق أي تهمة بنا والذهاب بنا الى السجن أو الأعدام . كانت الباصات تنتظرنا وفي رحلة مريرة وقاسية أدركنا بأن الوطن وأهله يساق الى المجهول من خلال عصابات تعبد الصنم وتمجده . ومن خلال صنم يسوق الأكاذيب والأباطيل . المهم وصلنا ليلا ً الى مخفر حدودي ومنها أصعدونا بشاحنات مدنية لنقل البضائع المدنية وأيضا مهم مغصوبون على ذلك بالقوة ، لم يكن في جيوبنا نقود، وليس لدينا طعام نأكله وليس لدينا ملابس تحمينا من البرد ، ولك أن تتصور بأن طالب جامعي يتفاجئ في ليلة وضحاها ويجد نفسه في جبهات القتال . كان موقف صعب ومرعب بأن تسمع أصوات المدافع والدبابات والطائرات وسط ظلام الليل الدامس . المهمة كانت في الأيام الأخيرة للحرب هي السطو ونهب المعسكرات والمخازن للأسلحة والعتاد والمؤونة للجيش الأيراني . وعندما أنهينا كل شئ ، قام ضباط الأمن والأستخبارات بحرق وتفجير المخازن الباقية في الجبال والمعسكرات والمواقع . التي لم يتمكنوا من سرقتها ، عندما تشاهد هذه المناظر ، عليك أن تتوقع كل شئ ، سارت بنا الشاحنات في ذلك الليل المخيف وسط حقول الألغام المرعبة والقصف من قبل المدفعية ، حتى أدركنا أنها تلك النهاية. وعندما أنهينا المهمة خلال شهرين وحاولنا الرجوع للأراضي العراقية وجدنا بأن كل الجسور الصغيرة فوق الأنهر الصغيرة . التي عبرنا عليها قد نسفت من قبل الطيران الأيراني . وكانت عملية ( كرّ وفرّ ) . للخلاص من ذلك المأزق . كانت الهندسة العسكرية العراقية تعمل من أجل أستحداث شوارع جديدة من تحت الجسور المضروبة وهذا يستوجب وقتاً وجهداً أضافيا . أنتهت المهمة ورجعنا بسلام ولكن كانت أيام صعبة وقاسية حطمت معنوياتنا وأحلامنا وآمالنا . وعندما ألتقيت بأصدقاء لي هم من أبناء وأقرباء السلطة الحاكمة . وقصصت عليهم الأمر . وتصورت بأن الموضوع حدث مع الجميع . ضحكوا كثيراً وكأنني أروي لهم ( نكتة ) . أو مسرحية أو مسلسل كوميدي. وصاروا يتهامسون بينهم ، ( نحن خدمة العلم لانخدمها) . كانت صدمة كبيرة لي . وأدركت حينها بأن الفقراء هم وحدهم من يخدمون ويضحون للوطن والعلم . الى من سن وشرع قانون خدمة العلم . عليك أن تضع شرط العدالة في ذلك الموضوع وأن تهيئ للمواطن الذي يخدم العلم راتب يليق به وخدمات من ملابس وأسكان وطعام ومواصلات وأحترام وتقدير . وأن تحميه من خلال قوانين بعدم المساس به وكرامته وعزته من قبل المتربصين والمنتفعين في تلك المؤسسة العسكرية . وتشعره بأنه يخدم العلم والوطن . وأن لايكون في خدمة الصنم . مع التحية .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha