أمل هاني الياسري ||
نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ أبداً/28
لدى كربلاء مخلوقات نورانية، لم تكن بحاجة الى دعم؛ لأنها مُنحت أجنحة لتحلّق بها في سماء الكرامة، فكتبت تأريخاً عظيماً روته بدمائها للأجيال، وبالتحديد الطفولة المذبوحة في كربلاء الخلود، بدءاً من عبد الله الرضيع الى رقية، ولسكينة فالقاسم وخولة، وصولاً لبنات مسلم بن عقيل بن أبي طالب،(رضوانه تعالى عليهم)، والذين ساروا في ركب الحسين (عليه السلام)، ملبين شعار القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة، والفتاة المعنية من آل عقيل، هي حميدة ذات الثلاثة عشر عاما.
البَر الكربلائي بات موحشاً، والبنت حميدة تنتظر أباها مسلماً، لكن حاسة اليتم تتحرك بداخلها، فما كان من العم العطوف والإمام اللهوف، إلا أن يجلسها في حجره الطاهر، ويمسح بيده الشريفة على رأسها، مستشعراً خبر إستشهاد والدها، في منطقة زرود بالكوفة سنة (61 هجرية)، فبقيت مع أطفال الحسين بعد ساعات من الوداع الأبوي، ليلة التاسع من محرم معلناً مكاشفته، حول ما سيجري عليهم من بني أمية عليهم اللعنة، موصياً أخته الحوراء (عليها السلام) بكفالة الأطفال والعيال.
إستبعد العلامة المحقق عبد الواحد المظفر، في كتابه (سفير الحسين)، أن تكون عاتكة هي نفسها حميدة، (بنتان لمسلم بن عقيل)، لأن النسابين نصوا على عمر الطفلة عاتكة بنت مسلم، فكان عمرها آنذاك 7 سنوات، أما حميدة فعمرها ثلاث عشرة سنة، وهي التي مسح على رأسها الإمام الحسين (عليه السلام) بعد ورود نبأ إستشهاد أبيها، بهجوم أزلام عبيد الله بن زياد عليه، فقتلوه بصورة بعيدة عن الرحمة الإنسانية، حينها أطلقت حميدة صيحتها: وا أبتاه وا مسلماه.
وردة ذبلت قبل آوانها، بسبب حقد آل أمية على آل طالب، فسحقت خيول النفاق والغدر أجساد الأطفال الصغار، المروعين بعد فرارهم من حرق الخيام، فصعدت أرواحهم البرئية الى معراج الشهادة، لتستقي من كأس جدها الأوفى، شربة ماء لا تظمئ بعدها أبداً، فقد روي عن حميدة بنت مسلم بن عقيل، أنها كانت تقضي نهارها بالصوم، وليلها بالصلاة وتلاوة القرآن والمكابدة والصبر، حالها كحال بقية نساء البيت العلوي، فيسمع من خيامهم دوي الملائكة، الحافين بأهل البيت المبارك.
الصور المؤلمة للطفولة الكربلائية والتي خلدها التأريخ، أعطت صورة لوحشية العدو المتنكر بأسم الدين، فكان سبي نساء وأطفال البيت الهاشمي، وصمة عار في جبين الطاغية وأزلامه، وكشفت القناع عن قبحهم، لكن هذه الطفولة عاشت الطف، بما جرى قبله وما بعده، وأظهرت مقدرتها الفائقة، على أن الفرق كبير جداً، بين يتيم منتصر ويتيم منكسر، فأيتام الطغاة مصيرهم للزوال، أما أطفال معسكر الحق الحسيني، فكانوا مصدر إلهام للطفولة الشامخة، والأجدر ليوم إستشهادهم أن يكون يوماً إسلامياً لليتيم.