احمد لعيبي ||
إستيقظت جدتي ذات صباح على صراخ جدي بإسمها وهو يحزم اغراض دارنا الطينية القديمه كي ننتقل الى دار اخرى في نفس القرية لكنها اوسع وابعد من هذه الدار ..
غطت جدتي ظفيرتها المليئة بالمسك بعصابتها السوداء المحمرة من الشمس ووضعت فيها بضع دنابيس واحاطت العصابة بخيط غزل متين ..
امسكت اناء حديد عميق و حلبت بقرتنا السوداء ووضعت حليبها على النار وفتحت الحبل لها كي تقودها لدارنا الاخرى فيما وضع جدي بقية الاغراض على عربة كبيرة تقودها حمير له ..
شربنا الحليب الساخن وكانت جدتي تدور برأسها يمينآ وشمالا تبحث عن شي ضائع ..
صرخ جدي بها وكانه عرف ما تبحث عنه وهو يقول لها لن نأخذها معنا ..لا نريدها...
قالت جدتي بعتب سومري وروح شروكية (ابو لعيبي خطية بعد روحي ..تذكر من حمتنا من الحرامي ..تذكر من جابت المطي التايه..تذكر من طبت للماي وراي من وكعت ..تذكر من طاح باب الحوش وظلت كاعدة تنام بنص الباب خاف يطب احد غريب )!
لم يرضخ جدي لصراخ جدتي التي هددته بعدم الذهاب ان لم تذهب تلك الكلبة السوداءمعها والتي شائت الصدفة ان تلد جرائها ليلة رحيلنا عن دارنا القديمه ..
وقفت جدتي امام تلك الكلبة وفتحت عصابتها وصرخت بكل قوتها ..اهتزت بكل جنوبيتها ..واعتصرت بكل شعرها الابيض ..
وهددت جدي ان تقص ظفيرتها ان لم تأخذ الكلبة معها ...واخرجت المقص ووضعته على شعرها فأخذه جدي منها عنوة وغادرنا وجدتي تدور بعينها على تلك الكلبة ..
في منتصف الطريق وقفت جدتي والتفت واذا بالكلبة تحمل في فمها احد جرائها وتضعه امام جدتي ..ثم ركضت وجلبت الثاني ..والثالث..
وافترشت ام لعيبي الارض وثغبت ثغبة شروكية في ليلة العاشرمن محرم وهي تردد(كَلبي مثل جلب اللفوة ..تابع ضعون الناس كَوة)..(كَلبي مثل لوح النجارة ...من الصبح للعصر ما تطفاش نارة)...
جلست الكلبة واولادها قرب جدتي ووقف جدي عاجزا امام هذا الحدث ..
وجلس بقرب جدتي وقال لها (هاي الجلبة اشرف من هواي ناس ...ننطيها الناس كلشي وما توفي ..وهاي الجلبة اطردها وهي راكضة ورانه وانوب مو وحدها هي وجراويها...شيلي الجراوي بحظنك خطية وخلي الجلبة تمشي..وكومي امشينا لدارنا )..!!
بعد اكثر من ثلاث عقود من الزمن لازلت اذكر وفاء كلبة جدتي ..ولا زلت اذكردموع جدتي ..وندم جدي يومها...
ليتنا نحظى بكلبة مثل كلبة جدتي تفي لوطن جدتي الذي تفرهد مثل دارنا الطينية بعد اول مطرة في شتاء الحرب ..!!