الشيخ محمد الربيعي ||
اعظم الله اجركم بذكرى شهادة الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ان ما نلمسه و نتعلمه من تتبع حياة الامام الحسن العسكري ( ع ) ، انه كان يوصي بحسن الحوار ، و أنّك عندما تريد أن تحاور إنساناً و تجادله ، فلا يكن العنف سبيلك إلى ذلك ، و لا يكن القلب القاسي و سيلتك إلى الانفتاح عليه ، بل حاول أن تتلطَّف به أوّلاً ، وأن تؤانسه ثانياً ، حاول أن تربح قلبه قبل أن تخاطب عقله ، لأنّ أقرب طريق إلى عقل الإنسان هو قلبه .
لذلك حاول أن تدخل إلى قلبه و إحساسه شعورياً ، ثم خاطب عقله ، فإنّ العقل يرقّ و يلين، ويفتح لك أبوابه من خلال المحبّة ، و هذا من القواعد التي ايضا اكد عليها دستور الاسلام القران الكريم بقوله تعالى : [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ]، و هكذا كان رسول الله(ص) ينفتح على الناس برسالته ، من خلال قلب رؤوف حنون ، و لسان ليّن لطيف عذب . و هذا ما يجب أن نتعلّمه .
أيّها الأحبه ...
نحن الذين نختلف مذهبيّاً في مجتمعاتنا ، و نختلف دينياً في أوسع من مجتمعاتنا ، و نختلف سياسياً و اجتماعياً و ثقافياً ، فنحن لا نتقن أن نتحدّث بمحبّة ، و لا نتقن أن نحبّ الذين يخالفوننا ، فيما نحن بحاجة إلى أن نحبّهم لنهديهم ، كما علينا أن نحبّ الذين يتّفقون معنا لنلتقي معهم في موقع المحبّة ، و نحبّ الذين لا يلتقون معنا من أجل أن تكون المحبّة هي الوسيلة للهداية .
هكذا ينبغي لنا أن ننفتح على الناس الذين نريد أن نحاورهم .
ولاثبات ما اردناه نورد لكم تفاصيل القصة التالية :
إنّ اسحق الكندي، وهو فيلسوف العراق في زمانه ، حيث كان أستاذاً من أساتذة الفلسفة و الثّقافة في ذلك العصر .
أنّه "أخذ في تأليف كتاب في تناقض القرآن ، و شغل نفسه بذلك ، و تفرّد به في منزله، و أنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري( ع ) ، فقال له ( أبو محمد ): أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكنديّ عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟ فقال التّلميذ : نحن من تلامذته ، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟ فقال أبو محمد( ع ) أتؤدّي ما ألقيه إليك؟ قال : نعم ، قال: فصِرْ إليه ، و تلطّف في مؤانسته و معونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الأنسة في ذلك ، فقل : قد حضرتني مسألة أسألك عنها ، فإنّه يستدعي ذلك منك ، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بالقرآن ـــ أيّاً كان المتكلّم به، سواء كان النبيّ(ص) أو أيّ شخص آخر ـــ هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننت أنّك ذهبت إليها ؟ فإنّه سيقول إنّه من الجائز ، لأنّه رجل يفهم إذا سمع ما أوجب ذلك ـــ لأنّ الناس قد يختلفون في فهم ما تقوله لهم ، و ليس من الضروري أن يكون فهمهم لما تقول واحداً ، و هذا أمر يحدث بين الناس فيما يقرأون من كتب أو فيما يسمعون ، ثم مضى يعلّمه : فقل له: فما يدريك ، لعلّه أراد غير الّذي ذهبت أنتَ إليه ، فتكون واضعاً لغير معانيه .
فصار الرّجل إلى الكنديّ، و تلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ ، فأعاد عليه ، فتفكّر في نفسه ، و رأى ذلك محتملاً في اللّغة و سائغاً في النظر ، فقال: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك ، فقال: كلاّ ، ما مثلك اهتدى إلى هذا و لا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا ؟ فقال أمرني به أبو محمد( ع)، فقال: الآن جئتَ به، و ما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت ، ثم إنّه دعا بالنّار و أحرق جميع ما كان ألّفه .
النتيجة :
علينا ان يكون اسلوب وطريقة و قواعد حوارنا وفق المنهج الذي حصلنا عليه من أئمة الهدى ( ع ) ، و عندئذ لن نختلف ابدا .
اللهم احفظ العراق و اهله
اللهم احفظ الاسلام و اهله
https://telegram.me/buratha