منهل عبد الأمير المرشدي ||
اصبع على الجرح .
ليس لدينا إزاء ما نمر به من إرهاصات وتناقضات وانقلابات واختلافات وظلم وفساد ونفاق سوى الكلمة .
فإن تظاهرنا بوجه الظالمين والفاسدين والمنافقين فليس لنا غير الكلمة بها نقول ونصرخ ونطالب ومن فكر يوما أن يغادر الكلمة الى ما بعدها او الى ماقبلها سواء انزوى الى الصراع او السلاح او الحرب او ماشابه وتوافق مع اشكال العنف ومهما طال او استطال فإنه سينتهي بكلمة يتم الإتفاق عليها .
الحب يبدأ بكلمة والعشق يحبوا الى احضان كلمة والمودة والحنان والألفة عنوانها كلمات ليس الإ قبل ان تكون شيئا اخر .
فالوجدان مهما تسامى يمكن اختزاله في كلمة . والبغض والشر والحقد يبدوا واضحا عند صاحبه في كلماته فما هو الا مرهونا في ذاته الى الكلمة .
كتب السماء جميعا كلمات فما قول الله سوى كلمة وما نصائح الأنبياء الا في رحاب الكلمة .
التفاهم في كلمة والتخاصم في كلمة . قد يخسر الأنسان دنياه كما يخسر الآخرة في كلمة .
قد يكون ولايكون في كلمة .
ولكن .. وآه لما بعد هذه اللكن .
حين تفشل الكلمات وتعجز الحروف عن ابلاغ الرسالة او افهام الآخر او اقناع من لا يقتنع .
حين تتجرد الكلمات من معانيها فيكون الكلام بلا معنى .
حين يبّح الصوت في آذان صم بكم لا يعمهون . حين تحكي لمن لا يسمع او لا يريد ان يسمع.
حين تلقي كلمات النصح والإرشاد والتبصير في اناس هم كالأنعام بل أضل سبيلا .
حين تصرخ فلا صدى . وتتكلم من دون ان تلقى من يسمع او يفهم او يعقل . يحن تتجرد الأجساد من العقول وتغيب البصيرة في الأبصار وتمرض القلوب فلا جسد سليم ولا عقل سليم ولا قلب سليم .
هنا لابد من الصمت .
فالصمت موقف وبلاغة وأمر مزدان بالحكمة ومؤطر بالصبر .
الصمت عمل ونتاج ودليل ومعنى ودلالة .
الصمت احيانا يقول ما عجزت عنه كل القصائد والكلمات والبيانات .
الصمت صرخة .
قد يقول الصمت كل شيء ويتحدث في كل اللغات ويسمع كل الأقوام فيما يفشل الكلام قول شيء وإن علا او تعالى او سطا وتمادى او طغى او تفرعن .
الصمت خيار ثالث وحل وسط وامر محتوم بين الحرب والكلام فبدلا ان يلجأ الفاشلون في التفاهم بالكلمة الى الخصومة والحرب والخراب والدمار تنبري واحة الصمت حلا وملاذا وفرصة وعنوان سلام .
أتذكر ما حدث يوما في الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي حيث سادت لغة السلاح واصوات البنادق والمدافع حين جلس صديقان التقيا بعد فراق في مطعم لتناول الغذاء وبعد ان تناولا الطعام جاء عامل المطعم بورقة الحساب فأخذها احدهم ليدفع الحساب الا ان صاحبه رفض وقال انا الذي ادفع .
رفض صديقه وقال انا الذي دعوتك فانا الذي ادفع .
عاد صاحبه اشد رفضا وقال لا والله انا الذي ادفع .
اخرج صديقه مسدسه واطلق عليه رصاصة في الرأس وارداه قتيلا
. ثم دفع الحساب وانصرف .
اتمنى ان نعرف متى نصمت ومتى نتكلم .
https://telegram.me/buratha