كان اسمها (زينب) ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق الهيبة،وتشكو همها إلی الله تعالی،فلا يسمعها أحد،ولايشهد حسرتها أحد،سوی الله المطلع علی حالها!! تجلس يوميا بجانب شباك الشناشيل الذي يشرب الشمس بصعوبة في محلة(ام النومي) في الكاظمية،وبعد صلاة الفجر تجلس الجلسة نفسها،وتبقی تدعو حتی تسمع وقع أقدام الناس ودعواتهم (يافتاح يارزاق ياعليم)ثم تفوح رائحة (الحرمل) معلنةً بداية اليوم الجديد،فمن عادة نساء الكاظمية أنهن يشعلن(الحرمل) صباحا للرزق،ومساءً مع الغروب يشعلنه لطرد الحسد!! وبعد أن فاحت الحياة في المحلة،نهضت (زينب) وأشعلت(أم الفتل) ووضعت إبريق الشاي(الفرفوري)الأنيق وأعدت الفطور لعمها وعمتها وزوجها،وهي صامتة،مازالت الأماني تحتل صدرها،متی ستكون أُمّا؟ومتی ستشرق الضحكة البريئة علی شناشيلها؟ لبست عباءتها وخرجت الی السوق،وكذا سائر النسوة يخرجن لشراء الخضار واللحم بأنفسهن،ولاسيما أيام نزول(السبيناغ)إذ يحرصن علی كثرة(الآلة) فيه،وإبان طقس التحضير لمائدة الغداء،دعتها جارتها (أم محمد)إلی حفل مولد الرسول الأعظم في بيت أختها في (العطيفية)قائلة لها:(تعالي وإن شاء الله النبي مايرد ايدج خالية)!! بقيت هذه الجملة عالقةً في ذهن(زينب)وقررت أن تذهب مع جارتها،وبالفعل ذهبت هي وعمتها لتحضر حفل المولود،وبينما كانت(الملاية)تنشد المدائح النبوية والكل فرح ومسرور،كانت (زينب) تبكي بصمت! قدموا لها صحن(الزردة بالحليب)ومدت يدها لتأكل فتراجعت قائلة في سرها:يارسول الله (صلی الله عليك وعلی أهل بيتك،لن أتذوق شيئا من طعام مولدك،حتی ترد عليّ وتقر عيني!! وانتهی حفل المولد البهيج،وعاد الجميع الی منازلهم،وحل الليل وعانق القمرُ شناشيل(زينب)،وعانقت روحها الانتظار والأمل،هناك قال لها الرجل المهاب: كلي وقري عينا قالت له: من أنت؟ قال:أنا هو،طلبت أن أرد عليك فرددت!! خذي، هذا كيس من الصابون لإخوتكِ وهذا الكف من التمر لابنة أختك!! فقالت له وأنا؟ فأجابها: ضعي مافي يدك أولا فوضعته بسرعة علی المنضدة ومدت يدها إليه،فأعطاها بكفيه تمرا وقال لها: اسمه علي واسمها زهراء!! هل سمعتِ؟ فنهضت(زينب)وهي تصرخ :نعم،لقد سمعت ومازالت تحكي هذه القصة لابنها علي وابنتها زهراء في كل ربيع!! ومازالت الشناشيل شاهدة!!
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha