الشيخ محمد الربيعي ||
كثيرا ما تكرر هذا الموضوع و كان محطة الجدل ، هل هناك فرق بين رجل الدين و رجل السياسة في العمل اتجاه الدولة و ادارة الحكم؟
جواب بطبيعة الحال لا يوجد فرق بين رجل الدّين و رجل السياسة ، باعتبار أنّ رجل السياسة ليس إنساناً ممتهناً ، كما أنّ رجل الدّين ليس إنساناً ممتهناً أيضاً .
إنّ قيمة رجل الدّين أو قيمة السياسي هي بمقدار ما يحافظ فيها على إنسانيّة الناس من حوله ، و بمقدار ما يكون من الأشخاص الّذين لا يستغلّون دورهم و إمكانيّاتهم و أوضاعهم في سبيل الضّغط على حرية الإنسان .
واقع الحال ان لا فرق بين رجل دين و رجل سياسة ، بل يجب ان يكون التحرك من موقع ما هي الخطّة و ما هي السّاحة و ما هو الإنسان ، هذا ما يجب أن نراعي التوافق فيه ، أن تكون الخطة منسجمة مع الساحة ، و أن تكون الساحة منسجمة مع الخطّة .
أمّا فيما يتعلّق بمنشأ الفكرة الخاطئة بأنَّ رجل الدّين لا دخالة له بالشّأن السياسي ، أنّ هذه الفكرة قد زرعها و رسّخها الاحتلال الذي استفاد من أجواء الجهل و التخلّف عند الناس ، بحيث راح يرسم بنفسه حدود حركة الناس في دينهم و سياستهم .
لقد رسَّخ الاحتلال فكرة عدم تدخُّل علماء الدّين في السياسة ، بحيث صار مفهوم لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين هو المألوف ، في حين يعدّ تدخُّل العلماء في السياسة خروجاً عن المألوف ، أمّا إنّه خروج على المألوف فهو صحيح ، و لكن مَن صنع هذا المألوف ؟
لقد صنعه التخلّف و صنعه الجهل و صنعه الاحتلال الذي يريد أن يعلِّب بعض الناس و يحدِّد لهم التنفس من خلال هذه العلبة .
نحن نسأل :
ماذا كان يمثِّل النبي (ص) و ماذا كان يمثّل الخلفاء ؟
هل كانوا بعيدين عن صفة رجل الدّين أو ماذا ؟
إنهم كانوا يمارسون العمل السياسي على أساس أن الرسالة الإسلامية تتطلّب ذلك ، و كانوا يواجهون قضيّة الحكم على أساس أنها القضيّة الأولى لحركة الإسلام في الحياة .
ثم نحبّ أن نسأل :
إذا كان الله سبحانه و تعالى يذكر في القرآن أنّ إرسال الرسل و إنزال الكتب هو من أجل أن يقوم النّاس بالقسط و العدل ، و السّؤال : هو كيف يمكن أن نحقق العدل ؟ هل يمكن أن نحقّق العدل من دون العمل السياسي ، و من الذي يحمي التجربة؟ .
و الدّين ليس حالة غيبيّة بعيدة عن الواقع ، بل هو محفِّز أساسي للنّاس كي يواجهوا تحدّيات الحياة و مشاكلها بكلّ جدارة و وعي و حكمة و روحيّة عالية و مسؤولة ، تحاول حلحلة التّعقيدات و وضع الحلول اللائقة و العادلة بما يحفظ الحقوق . من هنا ، كان لزاماً على رجال الدّين اقتحام ساحات الحياة بكلّ ما فيها من تحدّيات ، و إبراز النظرة الإسلاميّة الأصيلة لمجمل قضاياها .
أنَّ السياسة هي في عمق الدّين ، و أنّ الدّين هو في عمق السياسة الّتي تواجه الواقع و الحياة بعمليّة تغيير نحو الأفضل .
إنّ مهمّة علماء الدّين هي أن يعتبروا أنفسهم في قلب واقع الإنسان في الحياة ، فيعيشوا مع الإنسان همومه و آلامه و قضاياه و مشاكله ، و يعملوا على المشاركة في تقديم الحلول له ، سواء على مستوى الواقع الإسلاميّ الّذي لا يخضع لحكم إسلامي ، أو على أساس الواقع المحكوم بالإسلام ، المهمّ أنَّ عليهم العيش مع النّاس و عدم الانفصال عنهم .
و لا بدّ لعالم الدين من امتلاك نفسه ، و عدم الخضوع للإغراءات و الأطماع الخاصّة ، كي لا يسقط و يفقد دوره المطلوب في تصحيح كثير من الأوضاع .
إن من الافضل لعلماء الدّين أن يعيشوا الحريّة ، و أن يبحثوا عن الوسائل التي يستطيعون فيها أن يحقّقوا حريتهم الاقتصادية ، ليملكوا إرادتهم الحرة في مواجهة الواقع السياسي ، لا أن يكونوا مجرد وعّاظ للسلاطين ، بل عليهم أن يقفوا مع الشّعب ضدّ كلّ الذين يريدون أن يصادروا قرار الشّعب ، أو يصادروا مستقبله لحساب أطماعهم الشخصيّة أو أطماعهم السياسيّة الخاصّة .
و الثقافة هي من تمنح الشّخص وعياً أكثر للتعبير عن القضايا ، سواء منها السياسيّة أو الدينية ، فلا بدّ لأجل ذلك من مواجهة الجهلة الذين يتحدّثون باسم السياسة أو الدّين ، وهم لا يعرفون شيئاً عنهما ، و هو ما يؤدّي إلى كثيرٍ من السلبيّات و التّعقيدات في الواقع .
نسأل الله حفظ الاسلام و اهله
نسأل الله حفظ العراق و شعبه