الشيخ خيرالدين الهادي ||
تدور الأيام بكل ما فيها من الابتلاءات؛ لتكشف معادن الرجال وتميزهم عن الذكور بما يتمتعون به من الامكانيات التي حيَّرت أعداءهم وشتتت جمعهم مع تكالبهم على استغلال الفرص التي تهيأت لهم للنيل من الذين وهبوا أنفسهم لإثبات المواقف النبيلة والدفاع عن الحق وإن قلَّ ناصره بكل صنوف الوفاء والايثار ليبقى الشموخ عنوانا للرجال على الرغم من حجم البلاء.
إن الرجل لا يحده هوية ولا لون ولا معتقد ولا دين, فقد جمع الحسين (عليه السلام) تحت لوائه خيرة الرجال ومن مختلف الجنسيات والقوميات والاديان, وممن كان معه وهب المسيحي الذي ضرب أروع الامثلة في الدفاع عن الحق وأهله, وصارع الغلمان وقاتلهم حتى ظن البعض بمسيحيَّته؛ بل تصوروا أنه من أهل البيت (عليهم السلام) ورجالهم الذين اختبرهم الزمان وابتلاهم القدر فكانوا كما الصاعقة على قلوب أعدائهم, إذ شتتوا الجمع الكبير بإيمانهم وأرعبوهم ففرَّ منهم من فرّ ومات منهم من مات حتى أخزاهم الله تعالى عن بكرة أبيهم, وحفظ التاريخ رجال الحسين (عليه السلام) بمزيد من الكرامة والمقامات التي يمكن وصف أقلِّها بالخلود فمع الحسين عليه السلام حياة بلا ممات ولا زوال.
إن ما أقدم عليه المسيحي السيد جورج قرداحي من الوقوف بشرف إلى جانب الحق وكشف المستور من جرائم آل سعود(آل سلول) ضد الأبرياء من أبناء الشعب اليمني الأبي يكشف عن طينته الطاهرة, وسجيته النقية التي لم تنهزم أمام تهديدات معسكر يزيد المتهاوي والمتمثل بأعداء الشعب اليمني اليوم, والذين اجتمعوا فيما بينهم من أجل مزيد من الضغط على لبنان حكومة وشعباً ليتراجع الرجل عن تعليقاته؛ ولكنه أصبح أكثر اصراراً على موقفه الذي يُعدَُ بحق موقف مشرِّف وإن أحاط به عدد من الضعفاء الذين انقبضت ذكورتهم خوفاً من سطوة البائسين المجتمعين ضد الحق وأهله.
إن المجتمع اليوم لا يختلف كثيراً عن عصر الحسين (عليه السلام) من جهة تسلط الفاسدين وانقيادهم لأمراء الضلال من اليهود والصهيونية المتمثلة اليوم بالحركة الصهيوأمريكية والمتربعة على عرش المزالق نحو هاوية التعنصر والاصطفاف الطائفي البغيض الذي كشف عن زيف ادعاءاتهم الاسلاميَّة بوقوفهم أمام الحركات الثائرة نحو التخلص من الهيمنة الغربية التي قبعت على قلوب الشعوب المستضعفة نتيجة ضعف حكامها من أشباه الرجال وتسلقهم وتملقهم ارضاءً لأسيادهم من المارقين عن الدين والانسانية.
أن أمثال جورج وإن ندروا في عصرهم إلا أنهم أحدثوا تحوُّلا في الاستعدادات أمام الأعداء وإن قلَّ ناصرهم, وهذا يفيد بأن طريق الحق منتصرٌ وأن رجاله أحياءً لا يموتون, وهم على قلَّتهم يرهبون أعداهم ويزلزلون عروشهم ويهزمونهم ولو بعد حين, ومن جهة أخرى فالدرس لم ينتهي؛ إذ أفادت تجربة جورج أن المستضعفين سينتصرون والله تعالى يهيأ لهم أسباب القوة والظفر؛ ليبقى صوت الاحرار عبر أثير الزمن مدويَّاً بلغةٍ ثوريَّة تشعرنا بنكهة الفيض الالهي وتخبرنا بأن الأحرار لا يموتون وأن وهب المسيحي قد وُلد بنسخة جديدة تمثل في ولده القرداحي الذي أعاد أمجاد جدِّه بكل فخر وسرور؛ ليبقى صوت الحق عالياً وإن ضج العجاج وازدحم أشباه الرجال.